بقلم: حمزة البحري " إذا أشارت إليكم المحبة فاتبعوها وإن كانت مسالكها صعبة متحدرة، وإذا ضمتكم جناحيها فاطيعوها وإن جرحكم السيف المستور بين ريشها، واذا خاطبتكم المحبة فصدقُوها وإن عَطل صوتها أحلامكم وبدَدها كما تجعل الريح الشمالية البستان قاعا صفصفا " -جبران خليل جبران-. وصية جامعة مانحة لكل خير، تظل المحبة بابا لا يعرف طرقه الكثيرون حتى ولو دلهم أحدهم عليه، المحبة منحة يمنحها الله لخاصة خواصه من البشر، يتصف صاحبها بالعطاء وبدل الخير دون انتظار المقابل، المحبة يهبها الله لمن يشاء من عباده الأخيار الأصفياء الذين يتصفون بالرحمة التي تلين الحديد وتذيب الحجر، الذين يبعثون الحياة في كل ميت. إن هذه المحبة هي التي تنقل العبد من الثرى إلى الثريا، حتى إذا سرت في الجبال الراسيات ترنحت ورقصت طربا، توصل الإنسان إلى حيث ما توصله العبادات والطاعات حيث التسليم والتفويض للمحبة، هذه المحبة تجري مجرى الدم بصاحبها حيث يبدلها بكل فرح كالشمس تعطي دون انتظار المقابل، كزهرة ناضرة لا يعتريها الذبول، ككأس يروي ظمأ مل عاطش، هذه المحبة سرمدية الأصل تخلد بعد صاحبها حتى بعد موته، هذه المحبة التي ساد بها الأنبياء والرسل. فالذي يحاول أن يحافظ على محبته التي يبدلها للكل، يظل شاباً قوياً، تتحقق أمانيه، والذي يعتني بقلبه ويحسن تربيته ومحبته التي يملكها يظل شاب الروح، نشيط الجسم، قرير العين، ناعم البال، جذلان مسروراً، عليك بالمحبة حتى تدوم شاباً، تتجلى في وجهك الأنوار فيشرق كل ناظر له، عليك بالمحبة حتى تزل زاخر الحيوية والنضارة مثل الصهباء، متهللاً كزهرة ناضرة ووردة باسمة، ولكن لا تغرنك كلمة (المحبة) فليس هذه الكلمة التي تخفق في صدرك وقلبك، وتتجمع فيها الشهوات والمطامع، ليس القلب هو الذي لا يذوق طعم المحبة، ولا يعرف معنى اليقين، ولا يملك شيئاً من الشوق، والذي لا تتفتح زهرته ولا يشرق ليله، فليس هو القلب، إنما هو قطعة من حجر أو خشب، إنه ضيق مظلم مثل قلب اليهود، لا نصيب له من محبة الملك الودود، إنه لا يشرق ولا ينير، ولا ينشرح ولا يتسع. إنه ليس بين هذا القلب الميت وبين القلوب الحية إلا الاشتراك في اللفظ، والشبه في الجسم، كما أن الماء الذي يجري في العيون الصافية والأنهار الجارية يسمى ماء، والذي يختلط بالطين والوحل ويرى في المستنقعات يسمى ماء كذلك، ولكن الأول يروي الظمأ وينقي الثوب، والثاني نغسل منه اليد، هذا هو الفرق بين القلب والقلب، إن قلوب الأنبياء والأولياء لتعلو على السماء فهي تملك المحبة المطلقة وتبدلها، أما قلوب أشباه بني آدم فهي قلوب أشباه القلوب، وليست بقلوب، فإذا قلت: (قلبي) فانظر ماذا تقول!.