بقلم : سلمان الحساني يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (( إقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الانسان من علق, إقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم, علم الانسان ما لم يعلم..))سورة إقرأ,الآية1_5 وهنا الآيات الكريمات التي تعتبر أول ما نزل من القرآن الكريم على محمد رسول الله ونبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا, لما كان في غار حراء وأتاه الوحي من الحق جل شأنه عن طريق أمين أهل السماء جبريل ملك الوحي عليه السلام, وهنا أمر واضح متفق عليه ولا شك ولا خلل فيه, وفحوى هذا الأمر هو أمره عز وجل لنبيه (ص) ثم لعباده بالقراءة, وهنا أول أمر في الإسلام وهو الدعوة للقراءة, قراءة كل شيء للوصول إلى أي شيء يمكن الوصول إليه, حتى جاء في قوله تعالى: ((يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والارص فانفذوا, لا تنفذون إلا بسلطان..)) سورة الرحمان, وهنا خير دليل أوضح من الوضوح الواضح في واضحة النهار على أن العلم لا نهاية ولا حدود له ولا حتميات تقف في طريقه ما دام الحق سبحانه قد أمرنا بالقراءة وحثنا عليها, وأيضا فإن الأمر لا يقل قيمة في السنة النبوية العطرة الشريفة, حيث قال النبي الرسول أمين أهل الأرض محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: " طلب العلم فريضة على كل مسلم " وفي حديث آخر: " أطلبوا العلم ولو في الصين ". هكذا نجد الإلحاح التام في ديننا الصحيح على القراءة والتعليم والتعلم وطلب العلم وما يصاحبه ويصادفه ويصادقه, وقد ورد ذلك في العديد من النقاط والكثير من الأحاديث, حتى أن النبي (ص) قال للصحابي الجليل قبيسة,والذي كان دائم طلب العلم: ما الذي جاء بك يا قبيسة, قال جئت أطلب العلم, فقال (ص) أطلب العلم,فإن كل شيئ يسبح لك حتى الحوت في الماء والطير في السماء. وهكذا بدأ جنون العرب والمسلمين في سائر أقطاب الأرض يسعون جهدا نحو القراءة والدراسة والذكر والمذاكرة والتعلم والتعليم والتحليل والنتظير والنقد والتطبيق….حتى صار شعار الأمة العربية ورمزها هو لقب: " أمة إقرأ ". هذا وقد دأب الغرب بالإجماع على السعي نحو التقدم والرقي انطلاقا من نقطة القراءة التي سطرها ديننا الإسلامي, فكانت أول خطوة هي وضع حد لعالم الحروب المدمرة للبشرية جمعاء ووضع أسس متينة للتجمع والوحدة في بلدانهم الغربية الغريبة, أجل غريبة لأنها انطلقت إما من قاعدة اللدين أو الدين الفاسد والعقيدة الفاسدة والاعتماد على المادة الحية والملموسة وكذا العقل البشري الذي مجدته فلسفتهم المشهودة, انطلقت من الفلسفة القبل ميلادية مع أفلاطون وأرسطو وسقراط وأبيقور وهيراقليط وغيرهم, وصولا إلى زماننا هذا مع ديكارت وهابرماس وكانط وهيجل ودوطوكفيل وباروخ سبينوزا وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين الذين يعدون الأساس القوي في ثقافتهم الغربية الغريبة, أجل غريبة. وأكرر القول هنا أنها غريبة, لأنها قادتهم إلى ما هم يبتغون, حتى يسابقون الحوت في البحار والطير في السماء… وفي المقابل من ذلك ندقق النظر في الثقافة العربية الراهنة والمتفرقة التي صارت فيها التفرقة دينا يقدس ولا يخان… لكنها تخان فيهاعبارة "أمة إقرأ" اللقب القديم العظيم, أو لنقل: اللقب الكاذب . .. بالطبع يبدوا لقبا سخيفا في اللحظة الراهنة. فالصواب هو أن نقول أمة النوم بدل أمة إقرأ, إذ تحمل هذه العبارة كل معاني السأم . . والسقم . . المؤدي إلى الخجل من أمة العجم . . التي صيرتنا لها خدم . . بعد ما كانت في العدم .. وهذا أمر قد أحتدم . . وأدى بنا إلى الندم. إن الأجدر بأمة لا تقرأ سوى ست دقائق في السنة, مقابل الغرب الذين يقرؤون مائتي ساعة في السنة أن تكنى بأمة نم, واشخر وانخر, ولا تقرأ, بل عد إلى السرير ونم, وانتقل من سرير إلى سرير, وتفنن في اختيار الأسرة ما بين سرير دافئ والآخر بارد . . . كل على حسب المناخ الذي يؤطر نوع النومة , هل هي نومة خفيفة أم ثقيلة؟ وهل النوم مؤقت أم سبات عميق وعقيم؟ كل على حسب ما يختار لنا من طرف سادتنا الأشداء الذين اخترناهم للولاية وتدبير الشأن العام وكذا تبذير ما نملك من زيت ونفط وإطعامنا القمح والقمع ….. إن الأمر الواقع حاليا في معضلة القراءة في الوطن العربي أو الأمة العربية الموحدة, شرف الله قدرك أخي القارئ على هذه العبارة التافهة, هي نسبة الأمية الملحوظة جدا وبامتياز, حيث وصلت في الأمة العربية إلى ثلاثون بالمئة من الأميين, والمقصود بالأميين هم أناس لا يعرفون لا القراءة ولا الكتابة, فما بالك بالمطالعة وتطوير العلوم التجريبة والإلكترونية والإنسانية بالأساس, أما سبعون بالمئة المتبقية, فنجد خمسون بالمئة من يشترون الكتب والمجلات ولا يقرؤون ما يهم ولا يبحثون عما يفيد, بل العكس تماما من ذلك, إذ أن الكتب التي تباع منها النسخ الكثيرة عادة ما تتعلق بموضة السيدات وكتب الحب والغرام وفنون الطبخ العربي المتنوع على حسب الدويلات والمناطق والجهات وكذا كتب تفسير الأحلام وكتب لرسوم كاريكاتورية للسخرية بالإضافة إلى النكت والطرائف التي تشعر بالبهجة وتثير الضحك من حالنا اليائس البائس, وكالعادة يطرح السؤال المعهود بكل ضعف ورقة وبراءة الصغار …. لماذا تقدم الغرب وتأخرنا؟ يكاد يكون من العار على شخص عاقل كامل في وعيه أن يطرح مثل هذه الأسئلة التافهة التي يبدوا جوابها واضحا لأول وهلة, جواب ذاك السؤال الغبي واضح من خلال طريقة تفكير شبابنا, وواضح من خلال المستقبل الضائع لأولادنا, جواب ذاك السؤال يصول ويجول بين الأزقة والشوارع, بين المستشفيات ومخافر الشرطة وبين الأحياء الراقية والمبالغة في الغنى والرقي والترف والبذخ, وبين أحيائنا الهامشية المكونة لحزام الفقر على البلدان العربية, والبلدان العربية عموما هي التي تكون حاليا حزاما للجهل والتخلف على المستوى الكوني, جواب ذاك السؤال يتجول داخل قاعات مؤتمرات الدول العربية ومن بداخلهم من رجال الساة وحاشيتهم, جواب ذاك السؤال المطروح ينزلق بين الكراسي الفارغة بقاعات البرلمان العربية التي ملأتها الأصوات الجد عالية من الشخير والنخير, وكذا الأصوات المرتفعة لقهقهات وضحكات ساخرة من ملفات مليئة بحالات الجوع الفقر والجريمة وما يحتاجه الشعب من أشياء تجعله يحس بطعم الحياة الكريمة. إن المعتقد الصحيح لدى العديد من العرب هو العودة إلى جذور وحدتنا القومية والمتعلقة بنسق الدين الإسلامي الذي يوحدنا, والصواب أ ن نعود إليه من ألاجل إيجاد حل لأزمة القراءة وخلق عالم المطالعة الغير مسبوق في الأمة العربية, إذ يقول الحق سبحانه وتعالى:"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" سورة الرعد, الآية11 فأول الأمور هي دعوة نفسي للقراءة ثم دعوتكم إليها, وهكذا فليغير كل متكاسل عن القراءة أسلوبه وليتجه صوب أفضل صديق وهو الكتاب, وليبدأ بأعظم الكتب المنزلة والمقدسة من عهد أبي آدام عليه السلام إلى آخر من يولد في الأرض وهو القرآن الكريم, كلام رب العزة جل جلاله وعز نواله, ثم ليستأنس بالمطالعة, وليبدأ في نشر هذه الثقافة التي لولاها لما تقدم الغرب, ولولا هجرنا لها لما تخلفنا وصرنا لا محل لنا من الإعراب في العالم. عزيزي القارئ, أنا لا أكتب إليك, إنما الإدمان على الكتابة جعلني أخط بقلمي هذه الأفكار التي تحتاج إلى أكثر من عملية سبك وتنقيح. إن ثمة خطوة هامة قد نهجتها الدول الغربية في سبيل النجاح وهي "التفكير". فالتفكير عنصر أساسي لبناء الوعي المجتمعي وإرساء أسسه ودعائمه وكائزه المتينة, وجعل الإنسان إنسانا حرا في كل ما يملك وما يعنيه, فإن نظرتنا البسيطة في المجتمع الغربي المثق, حتما سنجد أن كل فرد له تفكيره الخاص وموقفه الخاص ومنهجه الخاص, أي كل فرد يفكر لذاته, ولنقفز قفزة بسيطة هي الأخرى في المجتمع العربي الرديء والذي لا زال يعاني من مشاكل الأمية والتخلف بالأساس, فحتما سنجد أن كل جماعة أو مجموعة أو قبيلة لها شيخ يفكر مكانها, وبالتالي ننتهي إلى ما يسمى بتعطيل العقول وضياع الذكاء الخاص للفرد, ومن هنا علينا بالقراءة من أجل النهوض بالأفكار, وبالتالي نهوض الأمة جمعاء, وكما قال الفيلسوف "أنطوان دو تراسي" : ( لا نهضة لأمة إلا بنهضة الأفكار ) . ومنه فلنبادر جميعا بالقراءة والمطالعة وتنظيف عقولنا التي لطالما لوثتها الفضائيات اليائسة التي صنعتها أيدينا بأمر من عقولنا الفاسدة.