يتميز شهر رمضان الأبرك في المغرب بإحياء مجموعة من التقاليد والعادات التي تنضاف إلى العبادات، لتجعل من رمضان شهرا للغفران، وجب فيه تكريس القيم السمحة للإسلام والتحلي بأخلاق المسلم الفاضلة، ونبذ كل السلوكات المشينة. فإلى جانب الوجبات المتنوعة التي تزين الموائد وقت الإفطار، والإعتكاف في المساجد لأداء صلاة التراويح وغيرها من النوافل، وتبادل الزيارات بين الأصدقاء، والسمر إلى ساعات متأخرة من الليل، تبقى الحكمة من شهر رمضان هو تعود الصائم على سلوكيات حسنة ونبذه لأخرى سيئة. وعلى نقيض ذلك، تزداد حدة بعض المظاهر المشينة التي تخدش وتسيء لهذا الشهر الكريم، خصوصا في الساعات القليلة التي تسبق آذان المغرب حيث يتعمد البعض تبادل الكلمات النابية بسبب سوء تفاهم بسيط ولأسباب تافهة أحيانا، وذلك راجع لفقدان الصبر وازدياد التوتر بسبب الصوم. ومن المظاهر الخادشة خلال هذا الشهر الفضيل سلوكات بعض السائقين خصوصا في ساعات الذروة بعد خروج الموظفين والمستخدمين، واكتظاظ الشوارع الرئيسية حيث يتفنن البعض في توجيه الشتم واللوم لغيره من السائقين، ناهيك عن السرعة المفرطة عند اقتراب موعد الآذان، والتي تعرض حياالسائقين الراجلين للخطر. وفي هذا الصدد، قال محمد المعزوز، متخصص في الانثربلوجية، إن هذه السلوكات لها علاقة بالانثربرلوجية الثقافية، باعتبار هذه الانفعالات في وقت الصيام ذات علاقة عضوية بثقافة الأكل عند المغاربة، معتبرا إياها ثقافة لا تقوم على نظام غدائي، ولا تخضع لطقوس البرمجة الطبيعة والاجتماعية للأكل، كما هي محددة في زمن فطور الصباح وزمن الغداء وزمن العشاء، أي أنها ثقافة خارج (النظام)، وهي عموما ثقافة سكان البحر الأبيض المتوسط. وأبرز المعزوز، أن انفعالات الصائم ناتجة عن شعور غير معلن عنه في الوعي بوجود لحظة منع أو "ردع رمزي" لهذه "الثقافة المشاعة" باعتبارها مكسبا طبيعيا واجتماعيا في علاقة الفرد بالأكل، مشيرا إلى أن الشعور بوجود "المحظور" أو بوجود "الرقيب الجازر"، يجعل من سيكولوجية من تفرض عليه هذه الموانع، رافضة ومتمردة، غير أن الورازع الديني في شهر رمضان، يحول طاقة الرفض والممانعة، إلى توتر سلبي يبحث عن تنفيس لغوي حركي ،قد يشبه نوعا من الهستيريا العابرة أو المؤقتة. بالمقابل، يبقى شهر رمضان الأبرك مناسبة سانحة للتغيير من بعض هذه العادات السيئة، وتعلم الصبر ونبذ الضغينة، وضبط النفس، والتسامح، فالصوم خلال شهر رمضان ليس مقتصرا على الامتناع عن الأكل فقط، وإنما الصوم بكل الجوارح وضبطها على ما يرضي الله، والانتقال إلي صفاء الروح بالابتعاد عن كل ما يؤذي النفس ويسيئ للآخر. بالإضافة إلى كل ذلك، يستحب التمسك، في هذا الشهر العظيم، بحسن الخلق وترويض النفس على الصبر وعدم الاستسلام للغضب مهما كانت المبررات، والعفو عن الإساءة والأذى، والتحلي بالأخلاق الكريمة والمسارعة إلى الاعتذار. كما يعتبر الصوم عبادة ذات مغزى تربوي عميق، لكونه يساهم بقسط وافر في تهذيب سلوك الإنسان وتنمية الجانب القيمي في ذاته، وبذلك فالصائم مطالب بأن يكون واسع الصدر مسارعا إلى الحلم والإحسان، وأن يضع بدل الإساءة والغضب عفوا تسامحا. وفي هذا السياق، قال رئيس المجلس العلمي المحلي بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان بالدار البيضاء، محمد مشان، إن رمضان يعتبر دورة تكوينية لتهذيب النفس وضبطها والارتقاء بها إلى الملائكية، مستشهدا بقول الله عز وجل "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". وأضاف مشان أن هناك فئة من الأشخاص يعانون من مشكل تسطيح وضحالة فهم الشعائر الدينية خصوصا الصوم، حيث انتقد اقتصار بعض الأشخاص على مظاهر وشكليات التعبد سواء في الصوم أو باقي الممارسات الدينية كالحج، مفرقا في هذا الصدد بين العبادة العمودية التي تكون بين العبد وخالقه والتي يمكن غفرانها، وبين العبادة الأفقية والتي تكون بين الأفراد وتقوم على المعاملة الحسنة والاحترام والتي تشكل جوهر العبادة. إجمالا يبقى شهر رمضان مناسبة للصائم من أجل تطهير القلب من المشاعر السلبية كالبغضاء والحقد، وفتح المجال أمام المشاعر الإيجابية كالمحبة والرحمة والمبادرة بالتسامح والصفح، ما من شأنه أن يسهم في تحقيق الراحة النفسية والصحة الجيدة وتوطيد العلاقات بين الناس، وتحقيق الوحدة بين أفراد المجتمع. * المصدر: و م ع