أكتب سطرا وأمسحه بسرعة, أعيد الكتابة من جديد فأضغط على زر المسح, فأعدم كل الحروف والكلمات .. أقبض على فكرة بكلتا يدي فتنسل هاربة مني مثل حبات الرمل.. بعض الحروف من الأحسن وضع مسافة كافية بينك وبينها… من تقترب منه يبتعد منك, ومن تبتعد منه يقترب منك.. نظن أنفسنا مازلنا صغارا, فلما نقف أمام المرآة ونتأمل ملامح وجوهنا نرى بوضوح فعل الزمن وتقلب الليل والنهار فيها… نؤجل مشاريعنا إلى المستقبل ولا نعلم متى يأتي هذا المستقبل لنعيش لحظاته… نحاول أن نتشكل من جديد بعد أن تذوب أرواحنا مثل كرة الثلج عندما تلقي إليها الشمس أشعتها الذهبية في يوم مشمش… نحاول أن نتمسك بالتفاؤل فنسقط أرضا وينتصر علينا التشاؤم بالضربة القاضية, ونتغلب عليه أحيانا فنسقطه أرضا.. فمرة نخسر الجولة ومرة نفوز لكن المعركة مازالت طويلة وفصولها لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد مثل فصول السنة.. زمن حربائي.. لماذا نغير جلدنا ومعاطفنا عند أول منصب جديد..وعند أول أجرة سمينة..؟ لما نكون في المعارضة نقول أشياء كثيرة ونتوعد الفاسدين بالويل والثبور وعظائم الأمور ولما نصبح نحن الحاكمين نقوم بخيانة وعودنا… لماذا نمارس النفاق إلى حد القرف, فلما تكون الجيوب فارغة نندد ونستنكر الأوضاع العامة ونلعن الطبقية والمتسببين فيها ونلعن ونلطم الخدود..ولما نملئ الجيب والحساب البنكي ببعض الدراهيم نصبح المدافعين عن الوضع القائم وندعوا الناس على الصبر لأن الله يحب الصابرين..وأن هذا الحال هو من القضاء والقدر… أصبحنا نعيش في زمن حربائي .. في الصباح نكون نرتدي جلبابا أبيضا وقبل غروب الشمس نستبدله بربطة عنق سوداء… ننام ونحن نؤمن بأفكار معينة وعند الصباح نكفر بها… حالة عجيبة نتعايش معها باستمرار..من أين استوردناها لا أدري.. نسأل الله اللطف..وأن يرزقنا الثبات في هذا الزمن الذي أصبح كل شيء فيه يتغير باستمرار دون توقف…