من ضمن المطالب المرفوعة من طرف حركة 20 فبراير:الإصلاح السياسي ' و الحقل السياسي عبارة عن بنية متعددة العناصر تتكامل فيما بينها ' لذا ينبغي التعامل معها بطريقة شمولية ' و الإصلاح السياسي لابد أن يمس كل عناصر بنية هذا الحقل. و من بين عناصر هذه البنية ' النخبة السياسية . تتميز النخب السياسية ، في البلدان الديمقراطية ، بمجموعة من المواصفات التي تجعلها مؤهلة لتسيير أمور الناس ، و الإشراف على تدبير شؤونهم . لكننا في المغرب ' أصبحنا أمام نخبة ليست لها مواصفات و لا شروط النخبة ، فهي بدون تكوين سياسي و لا خبرة في مجال التسيير السياسي ، و بدون ثقافة سياسية و لا حتى ثقافة أكاديمية . لقد تمت استباحة العمل السياسي بالمال ، و أصبح المال هو مفتاح و مقياس ولوج العمل السياسي ، من كان قادراُ على شراء موقع سياسي يصبح مسيرا سياسيا . إن خطورة هذا الوضع لا تكمن في طابعها القانوني فقط ، لكن خطورة ظاهرة استباحة العمل السياسي ، من طرف المتوفرين على رصيد واحد ووحيد هو المال ، أدى إلى خلق ارتجاج خطير في التربية السياسية داخل المجتمع و تقزيم بل و إلغاء دور المؤسسات السياسية في المجتمع ، اليمينية منها و اليسارية ، كدور ضروري سوسيولوجيا ، هذا الدور الذي تم اقراره دستوريا . إن استباحة العمل السياسي من طرف المال ، إن كان يحقق ، لمن شجعه و من أقره ،و لمن دفع إليه ، إن كان يحقق أهدافا ظرفية ، فإنه يشكل تهديدا حقيقيا للحياة الديمقراطية بالبلاد ، و يقود إلى نتائج خطيرة أهمها : = ضعف و تدهور تسيير المؤسسات المنتخبة ،و عجز هذه المؤسسات عن تلبية حاجيات المواطنين ، و ما ينتج عن ذلك من تهميش لدور المؤسسات المجتمعية ، و الدفع بظهور مؤسسات لا مؤسسية . = فقدان الثقة في العمل السياسي ، كأسلوب لتسيير الشؤون العامة للمواطنين ، و الدفع بفئات واسعة منهم إلى البحث عن مؤسسات أخرى لحل مشاكلهم ، مؤسسات بديلة للعمل السياسي الواضح و المضبوط . الشيء الذي سيؤدي إلى خلط في المهام و في الأدوار و ما يترتب عن ذلك من مزالق وقعت في أقطار أخرى . = انعكاس هذا الوضع سلبا على تربية و تكوين المواطنين ، بتعويض قيم الوفاء و الإخلاص للجماعة ، بقيم أخرى فردانية و أنانية تقبل تلقائيا باستعمال الجماعة ( بالمعنى السوسيولوجي ) من أجل تحقيق أغراض فردانية و أنانية . = فقدان الفعل الإنتخابي لمصداقيته ، خاصة إذا أضفنا لذلك ممارسات التجارب التزويرية.إن استباحة المجال السياسي من طرف رموز خبرها المواطن المغربي ، و هي المال و السلطة و النفوذ ، من شأنها أن تجعل المواطن يلجأ إلى الحلول السهلة بالنسبة إليه كذات ، و الصعبة على الوطن و على مستقبل الحياة المدنية و الديمقراطية . هذه بعض مظاهر و نتائج استباحة العمل السياسي من طرف أشخاص غير متخصصين و غير مؤهلين...و هي من ضمن ما أدى إلى ذلك الغموض الذي أصبح يشوب الممارسة السياسية ببلادنا،و مما أتاح الفرصة و شجع ظاهرة الإنتهازية السياسية . والسبب الآخر لوضعية اللبس والغموض في الممارسة السياسية ، هو الكيفية التي تتعامل بها السلطات العمومية ، وهي المؤهل الأول ،قبل مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات و أحزاب سياسية ومنظمات نقابية ومهنية ،إنها المؤهل الأول للتأثير في المواطنين فيما يتعلق بالتثقيف السياسي ،لانها تملك وسائل الإعلام ، بل تحتكر مجموع الفضاء السمعي البصري أو الحيز الهام منه ؛ إنها تمتلك الوسائل المادية لتعبئة المواطن .و الأهم من كل ذلك ، انها تمتلك وسائل وامكانيات ردع و زجر المواطن الذي يريد البحث عن مصادر ثقافة سياسية أخرى . فلا هي قامت بدورها في نشر ثقافة سياسية عصرية و ديمقراطية ، وخاصة متسامحة ، بقبولها الإختلاف ؛ و لا هي سمحت للمؤسسات غير الحكومية بممارسة هذا الدور... بل عملت على إجهاض المسلسل ، خاصة المناسبات الإنتخابية ،بممارستها الوصاية على الناخب و المنتخب معا . هناك سبب آخر لهذه الوضعية ، و يعود هذه المرة ، ليس إلى استباحة العمل السياسي ،من طرف أشخاص و مؤسسات لا علاقة لها بالعمل السياسي ، و لا إلى سلوك السلطات العمومية ؛ لكنه يعود إلى إحدى أهم مكونات المجتمع المدني ، أي الأحزاب السياسية الديمقراطية . إن الأمر لا يتعلق بعدم مساهمتها في نشر الثقافة السياسية الديمقراطية، بل يتعلق بمضمون هذه الثقافة بالمقارنة مع التحولات التي تعرفها مختلف الشرائح الإجتماعية المغربية التي يستهدفها الفعل السياسي لهذه التنظيمات ، و يتعلق الأمر بنوع من تحجر الخطاب السياسي ، في مقابلالدينامية التي تعرفها الفئات و الشرائح الإجتماعية التي تشكل مبدئيا و منطقيا مجال الفعل السياسي للأحزاب الديمقراطية ، مما يجعل العديد من أفراد المجتمع ، و خاصة الشباب منهم " تعتزل " ، و ليس " تعزف " العمل السياسي ... إن ممارسة السياسة بالنسبة للناس جميعهم ، هو أمر طبيعي و تلقائي لأنه جذاب و يدفع بالإنتهازيين إلى ولوج السياسة دون تكوين أو خبرة و دون أخلاق ... إن مهمة جميع الفاعلين السياسيين في اليمين أو اليسار ، في الدولة و في المؤسسات الحكومية أو غير الحكومية ، و كذا منظمات المجتمع المدني ، إن مهمة الجميع هي إعادة الإعتبار للفعل السياسي كممارسة لها ضوابط و قواعد و شروط ، و لكن أساسا لها قيم و لها أخلاق . القنيطرة في 22 مارس 2011