يبتز ضحاياه ليتسلم أثمان أعشاب يستقدمها من سوس المساء:كان شعيب حائرا في أمره بعد أن تكررت نوبات الصرع التي تصيب زوجته ودخولها في غيبوبة لا تستفيق منها إلا بعد جهد جهيد.كانت الزوجة تستعيد وعيها، لكن بعد أن يكون التعب والعياء نالا منها كثيرا، ويتطلب الأمر خلودها إلى الراحة. كما كانت حالتها تقلق الزوج والأطفال وكافة أفراد العائلة.ورغم زيارته لبعض الأطباء فإن الأدوية التي كانوا يصفونها لها لم تكن تفلح في التقليل من نوبات الصرع ولا في التحكم فيها، وتأكد للجميع أن المرأة مصابة بمسّ لن ينفع معه دواء. كان الزوج مستعدّاً لدفع أي مبلغ مالي ولأي شخص في استطاعته تخليص زوجته من ذلك الجنّ الملعون والعنيد الذي اتخذ من جسدها مسكنا. زيارات وابتزاز وخلال أحد تنقلاته عبر سيارة أجرة صغيرة عائدا إلى بيته، دخل الزوج شعيب مع السائق في دردشة حول الطب والأطباء والعشّابين والأعشاب لتبديد الصمت الذي كان مطبقا على السيارة، قبل الحديث عن وضعية زوجته ويشرح حالتها لمستمعه، الذي كان ينصت إليه باهتمام وتأثر. فأجابه السائق «ربّما تجد الحلّ إن شاء الله على يد أحد الفقهاء الذين يتحكمون في الجنّ ويستطيعون إخراجه». كانت هذه العبارة التي فاه بها السائق بمثابة قطعة ثلج نزلت على قلب محترق كجمرة ملتهبة لتطفئ به نيران القلق وتبدد الآلام وتنعش آمال أسرة دبّ إليها اليأس. «دُلَّني على منزله رحم الله والديك وحفظك وأسرتك من البلوى..دُلَّني عليه الآن..خذني إلى بيته الله يرحم والديك ويحفظ لك ذريتك». أدار السائق سيارته في اتجاه العنوان الجديد إلى عيادة «الطبيب الفقيه» حيث استقبله وطمأنه مؤكدا له أن الأمر لا يعدو أن يكون إصابة خفيفة لجنّ ظالم تجاوز حدوده وسيكون له بالمرصاد. «سيندم ذلك الجنّي الخبيث على فعلته وسيهجر الجسد والبلد إن شاء الله آمين». اطمأن شعيب إلى كلمات «الفقيه» وطلب منه مرافقته إلى بيته حيث توجد الزوجة لعيادتها والكشف عليها وتحديد أوصاف الجني الذي يسكن جسدها ويختبر قواه. وصل الزوج ومرافقه إلى البيت حيث وجدا الزوجة وقد انتابتها الأزمة ودخلت في غيبوبتها المعتادة.الأمر الذي جعل «الفقيه» يباشر عمله ويمتحن قدراته أمام الزوج الذي كان يتأمل المشهد ويراقب حركات الطبيب/«الفقيه». وضع «الفقيه» يده على رأس الزوجة الفاقدة وعيها وبدأ يتمتم بعبارات غير مفهومة ويتلو آيات من القرآن ويرمي بطلاسم أخرجها من محفظته ويقرأ تعاويذ لا يفهمها إلا هو، وسرعان ما استجابت الزوجة لحركاته واستفاقت من غفوتها وجلست تتأمل الضيف الجديد المنتصب أمامها. نال «الفقيه»/الطبيب ثقة الزوج وأفهمه أن الزوجة في حاجة إلى علاج ومداواة ببعض الأعشاب، وإلا ستعاودها النوبات، وطلب منه اقتناء هذه الأعشاب من مدينة أكادير عاصمة سوس معقل الفقهاء والعلماء والحاكمين في الجنّ، قدَّرها بحوالي 2200 درهم. لم يكن في استطاعة الزوج السفر إلى أكادير نظرا لطول المسافة ووضعية الزوجة فاستعطف «الفقيه» وطلب منه أن يقتني بنفسه ما هو في حاجة إليه ومدّه بمبلغ مالي حدده في 4000 درهم.اختفى «الفقيه» بضعة أيام ثم ظهر بكمية من الأعشاب وبدأ يتردد على بيت الضحية وزوجها، وفي كل زيارة يسلم للضحية بعض البخور ويطلب منها إحراقها ويتسلم من زوجها بالمقابل مبالغ مالية وصلت مجموعها إلى 9000 درهم دون أن تتحسن حالة المريضة. هاتف للاتصال بالجنّ أمام تزايد جشع «الفقيه» وطلباته المتكررة لمبالغ من المال وتفاقم حالة الزوجة، بدأ القلق يساور الزوج دون أن يفقد صبره، متمسكا بالأمل الذي كان هو رأسماله، وكان ينتظر الفرج كلما تحدث إليه «الفقيه» المعالج، الذي كان يعرف كيف يكلّمه ويتحدث إليه وإلى الزوجة المريضة التي كانت تصدق كل كلمة فاه بها أو عبارة تمتمها بين شفتيه أو قراءة تلاها جهرا أو سرّا.. «ستكون الحصة القادمة هي الأخيرة بإذن الله..وستظهر لكم المعجزة وسينطق الجنّ بنفسه عبر الهاتف، بل سيظهر عبر شاشته على شكل حمامة بيضاء أو راية بيضاء». طلب «الفقيه» من الزوج اقتناء هاتف نقال من نوع نوكيا 95 مجهزا بكاميرا، وهو الأمر الذي فعله الزوج الساذج وسلّمه إليه، قبل أن يعمد «الفقيه» إلى نزع بطاقة الاشتغال وبطاقة الاشتراك ويضع أسفل البطارية بعض الطلاسم ويقوم بتعاويذ على الهاتف النقال. وأكد أن المريضة ستتوصل بمكالمة هاتفية وسترى ما ستراه على الواجهة الزجاجية للهاتف ومباشرة بعد ذلك ستتماثل للشفاء. لكن كان على المشعوذ أن يأخذ الهاتف النقال ليبيت عنده ويقوم بما يجب أن يقوم به من تعويذات لتتحقق المعجزة وتنال المريضة المراد قبل أن يسلمه لها في اليوم الموالي. تسلّم المشعوذ الهاتف النقال، الذي اقتناه الزوج بأكثر من 4500 درهم، وأغلق هاتفه النقال الشخصي واختفى بشكل نهائي من حياة الزوج وزوجته المريضة وأسرتيهما.أثار غياب المشعوذ شكوك الزوج قبل أن يستفيق من غفلته دون أن تستفيق الزوجة من نوباتها، ويتأكد له أنه كان ضحية نصب واحتيال من طرف مشعوذ عاش على حسابه شهورا بسبب سذاجته وغفلته، فتقدم بشكاية إلى مصالح الشرطة القضائية بولاية أمن وجدة. اعتقال وإحالة على العدالة انتقلت عناصر الفرقة الثانية التابعة لمصالح الشرطة القضائية بولاية أمن وجدة إلى مسكن الظنين البالغ من العمر 23 سنة، ووضعته تحت حراسة سرية ومتواصلة، قبل أن تعمد إلى إيقافه وبحوزته الهاتف النقال من نوع نوكيا 95 ومبلغ مالي. ومباشرة بعد ذلك تم إخضاع منزله لعملية تفتيش أسفرت عن حجز مجموعة من الكتب تحمل عناوين خاصة بالسحر والجان، منها كتاب «سحر هاروت وماروت»، ودواة بها سائل أسود وأقلام من القصب وقارورات تحتوي على أعشاب مختلفة ومجموعة من الطلاسم ومجمرة...وتم وضع المشعوذ تحت الحراسة النظرية، بعدما اعترف بالمنسوب إليه بعد إخضاعه للبحث والتحقيق، وتمت إحالته على المحكمة بتهمة النصب عن طريق الاحتيال بالشعوذة.