الصرع مرض عضوي مزمن انتكاسي يتميز بتكرار النوبات العفوية الناجمة عن خلل في النشاط الكهربائي الطبيعي مع تفريغ كهربائي وقتي لمجموعة من الخلايا العصبية، ويعد مرضا جد متواتر، فحوالي 50 مليون شخص عبر العالم يعانون منه، ضمنهم 85 في المائة يعيشون في الدول النامية. وتسجل خلال كل سنة 2.4 مليون حالة جديدة، نصفها تبتدئ في الطفولة وفي مرحلة البلوغ، بينما يقدر عدد المصابين في المغرب به بحوالي 374 ألف شخص. ويعتبر نصيب الدول النامية من هذا المرض جد ثقيل مع نسبة عالية، بسبب تواتر الامراض الخمجية، والرضوض الدماغية، والأمراض الطفلية، أخذا بعين الاعتبار أن 60 الى 90 في المائة من الاشخاص لا يستفيدون من عناية طبية بسبب خلل في النظم الصحية ونقص في الموارد المالية والتمثلات الاجتماعية . يعاني مرضى الصرع في المغرب إضافة الى النوبات التي تصيبهم، بالعزلة الاجتماعية ومن الحواجز العلائقية المدرسية والمهنية، مع اضطرابات قلقية ونفسية لعدم التفهم الاجتماعي. فالصرع له عدة تسميات في المخيلة الشعبية مع تحملات اجتماعية سلبية وآراء مسبقة خاطئة وخرافات، بحيث أن هناك آباء لايرخصون لأبنائهم مصاحبة أطفال مصابين بالصرع واللعب معهم، كما يجدون صعوبات في الحصول على العمل وفي الزواج في الكبر، وهو ما يدفع بالعديد من الأسر إلى الالتجاء إلى الخرافات، إذ بينت دراستان أجريتا في كل من الدارالبيضاء ومراكش بأن 64 في المائة و77 في المائة على التوالي من مرضى الصرع ذهبوا الى زيارة الفقيه أوقبة ولي على الأقل مرة واحدة .. ويحدث الصرع في جميع فترات الحياة، ويصيب الطفل والعجوز مع نسبة مرتفعة عند الشخص المسن وترد الى الامراض الشرايينية الدماغية بنسبة 40 في المائة، وكذلك الاورام الدماغية بنسبة 4 الى 6 في المائة والرضوض الدماغية بنسبة 1 الى 3 في المائة..، ويصنف الصرع الى إثنين «نوبات الصرع الجزئية» و«نوبات الصرع العامة»، وهو من أحد الامراض العصبية التي يمكن الوقاية منها وعلاجها. وتمثل النوبات الصرعية الجزئية النوع الصرعي الاكثر انتشارا عند الاطفال من الولادة الى سن 9 سنوات وتحدث بنسبة 3.6 على 1000طفل، كما نشير إلى أن 70 الى 80 في المائة من الاشخاص المصابين بالصرع يمكن أن يمارسوا حياة عادية اذا أحيطوا بعناية طبية مناسبة. كما تقدر الدراسات أن 7 من كل 10 من مرضى الصرع لم يتم معرفة سبب المرض عندهم، أما الاسباب الاخرى فنجد الرضح القحفي، الورم الدماغي، الامراض الشراينية الدماغية، الاختلاجات الحرارية، التعفنات الفيروسية والباكتيرية والطفيلية، كما نجد أسباب محيطة بالولادة والتسممات والأسباب الوراثية. وتعتمد العناية الطبية بمريض الصرع على التشخيص السريري والتشخيص الكهربائي، كما يمثل هذا المرض السبب الثاني للاستشارات الطبية العصبية بعد صداع الرأس، وتعتبر أهم أداة في التشخيص هي التاريخ المرضي الدقيق للمريض، ويتم ذلك بمساعدة من الأسرة والملاحظات التي تدونها عن حالة المريض والوصف الدقيق للنوبة . أما الأداة الثانية فهي رسم المخ الكهربائي وهو جهاز يسجل بدقة نشاطه الكهربائي، وذلك بواسطة أسلاك تثبت على رأس المريض وفيه تسجل الإشارات الكهربية للخلايا العصبية على هيئة موجات كهربائية، التي خلال نوبات الصرع أو ما بين النوبات يكون لها نمط خاص يساعد الطبيب على معرفة هل المريض يعانى من الصرع أم لا ؟ كما تتم الاستعانة بالأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي للبحث عن وجود أي إصابات بالمخ والتي من الممكن أن تؤدى إلى الصرع. علما بأن المريض يستطيع المساعدة فى التحكم في نوبات التشنج بواسطة الانتظام في العلاج بدقة والمحافظة على مواعيد نوم منتظمة وتجنب التوترات والمجهودات الشاقة والاتصال المستمر مع الطبيب المعالج. ويتم علاج الصرع بعدة طرق أهمها العلاج بالعقاقير المضادة للتشنج مع احترام مبادىء علاجية صارمة في اختيار الدواء حسب نوع النوبة وسن المصاب ومفعولية الدواء والاعراض الجانبية ،ونادراً ما نلجأ للجراحة كعلاج للنوبات الصرعية المتكررة في حالة عصيانها الاستجابة للعلاج الدوائي .. ويبقى العلاج بالعقاقير هو الخيار الأول والأساسي، وهناك العديد من العقاقير المضادة للصرع التي تستطيع التحكم في أشكال الصرع المختلفة. على أن بعض مرضى الصرع قد يحتاجون لاستخدام أكثر من نوع من أنواع العقاقير، ذلك بالرغم من محاولة الأطباء الاعتماد على نوع واحد من العقاقير للتحكم في المرض . ولكي تعمل هذه العقاقير المضادة للصرع يجب أن نصل بجرعة العلاج لمستوى معين في الدم حتى تقوم بعملها في التحكم في المرض، مع الحرص على تناول الدواء بانتظام والالتزام الكامل بتعليمات الطبيب المعالج لأن الهدف من العلاج هو الوصول إلى التحكم في المرض . من جهة أخرى فإنه نادرًا ما ينشأ مرض الصرع عن أسباب وراثية، وهناك بعض الحالات القليلة التي ترتبط فيها أنماط معينة من الموجات الكهربائية للمخ بنوع معين من نوبات الصرع والتي تعتبر وراثية، وإذا كان أحد الوالدين مصابًا بهذا الصرع الوراثي، فإن إمكانية تعرض الطفل للمرض هو تقريبًا 10 % ، «نسبة الأطفال الذين يولدون لأباء وأمهات لا يعانون من مرض الصرع ويصابون بهذا المرض هي من 1- 2 %»،.وتؤكد الدراسات أنه بواسطة الفحص الوراثي يمكن التعرف على مدى احتمال اصابة الأبناء بمرض الصرع في المستقبل . وقبل أن أختم لا يفوتني إلا أن أقدم بعض النصائح لأسرة المريض بالصرع : « أثناء حدوث النوبة الصرعية لا تحاول ربط الطفل أو منعه من الحركة، ولا ترشه بالماء لمحاولة إيقافه أبعد أي أجسام حادة أو صلبة مجاورة له فك الأزرار أو أي لباس يكون ضيقا حول الرقبة، اخلع نظارته إذا كان يرتدي نظارة ساعده على الاضطجاع على جنبه وضع شيئا لينا تحت رأسه تجنب وضع أي شيء في فم المريض لا تضع أي شيء صلب في الفم ولا تحاول إدخال أصابعك في فمه لا تحاول إعطائه أي علاج بالفم أثناء النوبة في حالة استمرار النوبة أكثر من عشر دقائق خذه لأقرب مركز استشفائى حاول تسجيل وقت نوبة الصرع(التاريخ/اليوم/الوقت)،وحاول النظر في الساعة لتسجيل كم مدة النوبة بالدقائق سجل وصف النوبة كيف بدأت ماذا كان يعمل قبل النوبة وأي الأعضاء تحرك وماذا حدث بعد التشنج» هذا مهم،لأن طبيبك غالبا لن يرى النوبة بنفسه، وسيعتمد على وصفك لها، وسيكون أكثر دقة لو سجل بعد النوبة مباشرة..قد يكون هذا صعبا، لكن حاول. بعد النوبة،إذا كان الطفل نشيطا، «طمئنه بأن ما حدث ليس خطيرا،اجعله مشغولا بشيء يحبه،لا تجعله يشعر بأنك قلق عليه وعلى أن علاجه لم يوقف الصرع،لا تسأل طفلك بعد نوبة الصرع كيف يشعر من وقت لآخر قد يصاحب الصرع ازرقاق في الشفتين أوقد يتبول أو يتبرز في ملابسه لا تجعله يشعر بالخجل أو المسؤولية عن هذا». وفي الأخير يجب على المسؤولين الصحيين أن ينجزوا برنامج وطني ضد مرض الصرع مع القيام بحملات تحسيسية اعلامية وتربوية للتعريف بالمرض والتغلب على الخرافات والشعوذة المصاحبة له .كما يجب تدليل العقبات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعترض سبيلهم أثناء مسارهم المرضي، مع اشباع حاجياتهم النفسية العاطفية والتقديرية، وتوفير السبل الناجعة للاندماج الاجتماعي . .