أصدرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، العدد 15 من المجلة النصف السنوية "الذاكرة الوطنية"، الذي أفرد ملفه لأشغال الندوة العلمية التي انعقدت بمراكش في أبريل 2009 حول موضوع "المغرب وإسبانيا بين التقارب والتباعد" (1907 م-1940م). ويتضمن ملف العدد ست مداخلات علمية انكبت جميعها على بحث علاقة المغرب بإسبانيا من خلال زوايا مغايرة ورؤى مختلفة وتحاليل ومقاربات جديدة. وتمحورت هذه المداخلات حول مواضيع همت "أنظمة الاستعمار الإسباني في المغرب بين الخصوصية والتنوع"، و"فشل الديكتاتورية في حل الأزمة وسقوط حكومة ريفير"، و"الصلات الأولى بين وطنيي المنطقة الخليفية والمنطقة السلطانية"، و"الاستعمار الإسباني بالمنطقة الشمالية بين سنتي 1920م-1940م " و"إسبانيا ومرحلة تأسيس الحماية في شمال المغرب" و"مبادرات الطبقة الرأسمالية الإسبانية في الانفتاح على المغرب بعد حرب تطوان". كما يشتمل هذا العدد من مجلة الذاكرة الوطنية على قراءات ودراسات لأشغال اليوم الدراسي المنظم بمناسبة صدور المجلدين الأول والثاني من الجزء الثاني من موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالمغرب، والذي يتناول بالتحليل والتوثيق أعلام الأسرة الملكية والحركة الإصلاحية وأعلام الحركة المسلحة الأولى. وتم تدعيم محتويات هذا العدد ببحثين جامعيين يسيران في نفس منحى ملف العدد المتناول لأحد الحقب الحساسة من تاريخ العلاقات المغربية - الإسبانية، حيث يتناول البحث الأول العلاقات المغربية الإسبانية قبيل حرب تطوان، فيما يعالج البحث الثاني الحرب الاستعمارية بمنطقة الريف ما بين سنوات 1912 م1926م . وجاء في أرضية تقديمية لهذا الإصدار أن التطرق لموضوع العلاقات المغربية الإسبانية يأتي في الوقت الذي تشهد فيه علاقات البلدين فترة شد وجذب وتتعرض فيه القضية الوطنية إلى تجني وتحامل مغرضين في وسائل الإعلام الإسبانية، وهو الأمر الذي لا يمكن فهم دوافعه إلا باستقراء المرجعية الفكرية التي تغذي المشكلة والوقوف على الخبايا والملابسات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية التي ترسم مسار تلك العلاقات التي نسجت تفاصيلها منذ قرون خلت وما زالت إسقاطاتها تطفو على السطح بين الفينة والأخرى جاعلة من حوض البحر الأبيض المتوسط سدا وحاجزا وبؤرة للتوتر والصراع عوض الارتقاء به إلى فضاء للتساكن والتعاون. وأكدت هذه الأرضية التقديمية على أن المغرب كان وسيظل دوما حريصا على إرساء علاقات حسن الجوار والتعاون البيني بما يخدم المصالح المشتركة مع التأكيد على حقوقه المشروعة ومصالحه العليا في صيانة وحدته الترابية وتثبيت مكاسبه الوطنية. وأبرز المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير السيد مصطفى الكثيري في تقديمه للكتاب أن ملف العلاقات المغربية الإسبانية خلال النصف الأول من القرن العشرين يعد من بين المواضيع الأكثر إذكاء للتفكير والتأمل وإثارة للنقاش والتدبر وقد يبدو أقل تناولا في الدراسات والأبحاث الأكاديمية. وأكد أن فهم التاريخ الإنساني في هذه الفترة لن يستوي ويكتمل إلا بربطه بالتاريخ المغربي، خاصة أثناء الوجود الإسباني في المغرب خلال المرحلة التي اتفقت المصادر ومعها الباحثون على تسميتها بمرحلة الحماية / الإستعمار، والتي بدأت إرهاصاتها الأولى منذ حرب تطوان 1859 - 1860، وتجد جذورها في الاحتلال الإسباني للثغرين المغربيين سبتة ومليلية ومعهما الجزر الجعفرية المغربية. وأعرب السيد الكثيري عن أمله في أن يسهم هذا الرصيد الجديد من إشراقات الأفكار والآراء في بلورة هذا التوجه الذي يبني علاقات الصفاء والتفاهم بديلا عن علاقات الجفاء والتوتر ويقيم علاقات جديدة قوامها التعاون البيني والتكامل عموديا وأفقيا بين البلدان الجارة المحكوم عليها بالتعايش جنبا إلى جنب.