"الهندي والبندي والموس من عندي".. ارتفع استهلاك الصبار بشكل لافت في المغرب بعد نشر أبحاث علمية عنه في الصحف وإقبال الأجانب على الاستثمار في زراعته وتصديره الى أوروبا، ورغم “شعبيتها” الواسعة وشهرتها الكبيرة لم تحظ فاكهة الفقراء أو”الهندية”، كما يطلق عليها المغاربة، باهتمام كبير من قبل المستهلكين والمزارعين على حد سواء، وظلت في نظر المغاربة فاكهة أقل قيمة وأهمية من باقي الفواكه الأخرى، وينظر اليها على أنها تسبب عسر الهضم وأن استهلاكها ينطوي على مخاطر كبيرة بسبب كثرة الأشواك. أما اليوم وبعد إقبال الأجانب على الاستثمار في هذه الزراعة، وشراء ورق وثمار الصبار وتصديرها للخارج من أجل تحويلها الى زيوت ومواد للتجميل، أعاد المغاربة الاعتبار لهذه الفاكهة واقبلوا على استهلاكها وتثمين زراعة الصبار وإنشاء وحدات صناعية لتحويل منتجاته الى زيوت ومواد طبيعية ودعم تسويقه وإنتاجه. وساهم ازدياد الوعي بفوائد الصبار وارتفاع معدل تصدير أوراقه الى أوروبا لاستخلاص الزيوت منها في انتشار عربات بيع الصبار داخل الأحياء الراقية والمدن الحديثة في المغرب، بعد ان كان استهلاك هذه الفاكهة يقتصر على الأحياء الشعبية والقرى والأرياف، وتدر تجارة عربات بيع الصبار أرباحا مهمة على أصحابها مقارنة بما كان عليه الحال في السابق حيث ازداد الاقبال عليها وارتفع سعر حبات الصبار بشكل كبير. في هذا الوقت من كل عام حيث ينضج الصبار تنتشر في معظم المدن المغربية عربات خشبية يقودها الباعة الجائلون الذين ينادون على زبائنهم في الشوارع والأزقة، مرتدين قفازات بلاستيكية تحميهم من الأشواك وتساعدهم في تقشير حبات الصبار بسهولة، ويختار الباعة عرض تجارتهم في أماكن استراتيجية لجذب أكبر عدد من الزبائن، وتشكل تجارة بيع التين الهندي مصدر رزق للعاطلين عن العمل لاسيما أن أغلب تجار الصبار يقومون بقطف ثماره مجانا في الغابات المحيطة بالمدن ما يجعل أرباح بيعه صافية وخالصة من أي تكاليف كما أن مدة صلاحيته طويلة مقارنة بالفواكه الأخرى. ويتحلق الزبائن حول عربات بيع التين الهندي التي تنمو كالفطر في هذا الوقت من كل عام، أغلب العابرين يتوقفون لالتهام بعض الحبات على عجل، وآخرون يجلسون على كراسي المتنزهات والحدائق لتناول هذه الفاكهة بمتعة وتلذذ، واذا أعجبهم مذاقها يقبلون على شرائها وحملها الى البيت في أكياس بلاستيكية حيث تكسبها برودة الثلاجة مذاقا مميزا وتصبح الفاكهة الأساسية التي تزين مائدة العائلة. ويقول ابراهيم الغربي، الذي يبيع التين الهندي كل صيف، إن استهلاك وتسويق فاكهة الصبار لم يعد يقتصر على الأحياء الشعبية وضواحي المدن بل أصبح وجود بائع الصبار ضروريا في الأحياء الراقية وعلى أرصفة الساحات العامة والشوارع الرئيسية لأن الجميع أصبح يدرك أهمية هذه الفاكهة وفوائدها الصحية والغذائية. ويوضح أن تجارة الصبار تدر أرباحا جيدة لكن الصعوبة تكمن في مرحلة قطفها وتجهيزها للبيع، ويضيف: “أقوم برفقة بعض تجار هذه الفاكهة بجولة في اقرب منطقة بها نباتات الصبار ونقطف الثمار الناضجة ثم ننظفها من الأشواك بواسطة ممسحة ونرش الماء لوقف تطاير الأشواك ونخزنها ثم نبيع هذا المخزون بشكل تدريجي”. ويوضح الغربي، الذي يحمل سكينا صغيرة بيده ويرتدي قفازا، أن ثمن الهندية يتحدد حسب توفرها في الأسواق، ونحن نبيع حبات التين الهندي منفردة ويتفاوت سعرها حسب حجمها وجودتها وأحيانا نبيعها بالكرتونة أو السطل ولا نستعمل المكيال في بيع الصبار”. وقد أكدت الأبحاث العلمية التي أجريت مؤخرا على زيت الصبار أنه مفيد لنمو الشعر ومنع تساقطه، وأنه من أفضل الزيوت المفيدة في معالجة بعض حالات الصلع وفقدان الشعر، كما أنه يحتوي على مكونات مغذية مفيدة تساعد على إطالة ونعومة الشعر ومنع التقصف. وينصح الأطباء مرضى السكري بتناول التين الهندي لأنه يحتوي على كمية كبيرة من البروتينات ومقادير متوسطة من الأملاح المعدنية، الى جانب فيتامين “ج” و”أ”، وبفضل عناصره الغذائية يعتبر التين الهندي غذاءً مفيداً للرشاقة وإنقاص الوزن، كما أنه منعش في فصل الصيف ويساعد على التخلص من الشعور بالظمأ في الحر. وزراعة "الصبار" التي عرفها المغرب منذ القدم وظل استعمالها مقتصرا على تسييج الأراضي الزراعية والطرقات , وفصل الممتلكات أو حماية حظائر الحيوانات والمواشي بالعالم القروي , تحظى بأهمية بعد أن أبانت أبحاث ودراسات مزايا هذه الزارعة ذات القيمة المضافة الهامة. ومع توالي سنوات الجفاف التي عرفها المغرب, والتي أدت الى البحث عن أنواع من النباتات لا تتطلب كمية كبيرة من الماء وتتلاءم مع الظروف الطبيعية والمناخية الصعبة (الجو الجاف والحرارة والأراضي غير الصالحة للزراعية) وذات أهمية غذائية وعلفية كبرى, ظهر الاهتمام بزراعة الصبار كزراعة بديلة بالمغرب على غرار عدد من الدول عبر العالم. وأدى الاهتمام المتزايد بنبتة "الصبار" الى إحداث شبكة دولية " فاو كاكتوس نيت" خلال التسعينات من طرف منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة, التي يعتبر المغرب عضوا نشيطا بها. وتعتزم هذه الشبكة عقد مؤتمرها الدولي السابع في أكتوبر 2010 بأكادير بمشاركة أزيد من 500 خبيرا وباحثا خاصة من المكسيك والأرجنتين والشيلي والمغرب وإيطاليا مما يؤكد الاهتمام المتزايد بأهمية نبتة " الصبار " التي لها أهمية إيكولوجية وسويو-اقتصادية وغذائية وتجميلية وصيدلانية. و قد حظيت زراعة الصبار بالمغرب الذي تحتل فيه المناطق الجافة وشبه الجافة حيز كبيرا , باهتمام كبير كنبات علفي يستعمل في تحسين المجالات الرعوية وخلق محميات علفية متنقلة خلال الظروف المناخية الصعبة, فيما توفر ألواح الصبار الغنية بالماء بنسبة 80 في المائة احتياطا هاما لسد حاجيات الماشية من الماء خلال فصل الصيف. وعلى المستوى البيئي فإن زارعة الصبار تساهم في منع انجراف التربة ومحاربة التصحر وفي التنوع البيولوجي, وكذا في إنعاش وإعادة إحياء نباتات طبيعية أخرى , فضلا عن كون المجالات المزروعة بالصبار تشكل فضاءات للتنزه والسياحة القروية ومحميات للمهتمين بأنشطة القنص. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء قال السيد عبد الرحمان أيت حمو , مهندس فلاحي ورئيس الجمعية المغربية لتنمية الصبار , إن الصبار من النباتات الأكثر مردودية اقتصاديا, يمكن الفلاحين من تنويع الأنشطة المدرة للدخل كتربية النحل واستخراج زيوت الصبار وبيع فاكهته سواء طرية أو مجففة, فضلا عن مزاياه الغذائية الكبرى . وذكر أن الدراسات أبانت أن فاكهة الصبار من بين المواد الغذائية المتكاملة والغنية بالأملاح المعدنية والفيتامينات المفيدة لصحة الانسان, وقال إنه يمكن تناولها طرية أوجافة , أو تحويلها لعصير أوطحين أومربى أوزيت غذائية , مشيرا إلى أن ألواح الصبار , تدخل ضمن العادات الغذائية لدى المكسيكيين وأضاف السيد أيت حمو أن نبتة الصبار (فاكهة وألواحا) تكتسي أهمية كبرى كذلك في المجال الطبي , حيث تستعمل منتوجاتها في الوقاية من داء السكري والتقليص من حدة ارتفاع الدهنيات في الدم وتصفية الجهاز البولي وقرحة المعدة والاضطرابات المعدية, فضلا عن شهرته الواسعة في تجميل البشرة ومقاومة التجاعيد وفي الصيدلة وصناعة مستحضرات التجميل كالمرهمات. وقد اكتشفت مزايا هذه النبتة منذ عهود بالمكسيك التي تشكل مصدر الصبار منذ 6500 سنة قبل الميلاد حيث شكلت مصدرا غذائيا للشعوب البدائية . وتم إدخالها في حوالي القرن 16 الى شمال وجنوب إفريقيا وعلى طول الفضاء الأورو-متوسطي. وتتراوح المساحة الاجمالية المزروعة بالصبار بالمغرب بين 120 ألف الى 150 ألف هكتارا, وتتواجد بمختلف مناطقه بنسب متفاوتة , وتوجد أكبر نسبة منه بمنطقة الرحامنة (35 ألف هكتار) وسيدي إفني وأيت باعمران (40 ألف هكتار) والحسيمة ودكالة وواد زم ونواحي الدارالبيضاء. وأوضح السيد أيت حمو أن المغرب بفضل تنوعه الايكولوجي يتوفر على عدد من أنواع الصبار تتميز كل جهة بنوع منه . ويعتبر " أوبانتيا فيكيس أنديكا" من أهم هذه الأنواع التي تتلاءم مع الظروف المناخية المحلية , ومنها كذلك صبار" موسى"و" عيسى" و"أشرفي"( سيدي إفني) و"الرحامنية"(الراحامنة) و"الدكالية (الجديدة) و"الحداوية" ( الدارالبيضاء) و"المجدوبية"(المحمدية) و"الدلاحية"(الحسيمة). وأضاف السيد أيت حمو أن الاستراتيجية الجديدة التي يتضمنها المخطط الأخضر تشكل فرصة لتنمية زراعة الصبار, حيث يروم المخطط زرع مليون هكتار بالاشجار المثمرة التي لا تتطلب مياها كثيرة كالزيتون والخروب والصبار, مشيرا الى أن المساحات المخصصة لزراعة الصبار على مستوى الجهات سيعرف ارتفاعا ملحوظا خاصة بمنطقتي كلميم/السمارة (70 ألف هكتار) والرحامنة (50 ألف هكنار). ودعا إلى خفض نسبة بذور الصبار المصدرة للخارج , والعمل على دعم التصنيع الوطني الصيدلاني والتجميلي المرتبط بالصبار وتشجيع البحث العلمي الخاص به . كما دعا الى تطوير علاقات تشاركية مع المكسيك التي تتوفر على تجربة طويلة في مجال زراعة الصبار, وانخراط القطاع الخاص في الاستثمار في هذه الزراعة. ونوه في هذا الصدد بالأبحاث والدراسات التي يقوم بها كل من المعهد الوطني للبحث الزراعي ومعهد الحسن الثاني بالرباط وأكادير , وجامعتا القاضي عياض بمراكش والحسن الأول بسطات. وتجدر الاشارة الى أنه تم إحداث جمعية وطنية لتنمية الصبار سنة 2006 تضم مهندسين فلاحيين وصناعيين وصيادلة ومهتمين بالتنمية المستدامة والبيئة, وتهدف إلى لتعريف بالأهمية الغذائية والطبية للصبار, وتشجيع البحث العلمي للاستفادة من مزايا هذه النبتة.