باتت تحركات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من الآن فصاعدا، على قدم وساق، بعد عقد المؤتمر الوطني الثامن الذي حدد وجهة العمل السياسي في إطار تحالفات الحزب سواء داخل الكتلة الديمقراطية أو اليسار. فقد أعلن المكتب السياسي تنظيم مشاورات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مع حلفائه من اجل إعادة الدينامية للساحة السياسية لتتمكن القوى الديمقراطية من استرجاع مبادرة إعطاء دفعة جديدة لمسلسل الإصلاح مرة أخرى. مما لا شك فيه، أن لليسار دورا حاسما يجب أن يلعبه في هذا المجال، خاصة وانه، تاريخيا، كان الفاعل الرئيسي في التغيير من اجل تحقيق التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وإذا كان تأثيره قد ظل محدودا طيلة العقد الأخير فلأنه تعرض لانقسامات متتالية أدت إلى إضعافه. بادئ ذي بدء، وحتى يتمكن من التأثير على مجريات الأحداث، يحتاج اليسار، بشكل لا نقاش فيه، إلى توحيد صفوفه حتى يتمكن من القيام بعمل ملموس وتعبئة الطاقات الشعبية التي تخلت عن العمل السياسي كما تشهد على ذلك نتائج الانتخابات التشريعية لسابع شتنبر 2007، هذه الانتخابات التي تميزت بعزوف كبير، أساسا في صفوف الناخبات والناخبين التقليديين لليسار. فمرحا إذن بالمشاورات داخل اليسار، هذه المشاورات التي ينبغي أن تشمل كل التنظيمات السياسية بدون استثناء، أي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية والحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي وجبهة القوى الديمقراطية والحزب الاشتراكي والحزب العمالي،بصيغة تسمح بتشكيل جبهة موحدة لليسار على أساس أرضية مشتركة تهدف إلى الرفع من وتيرة الإصلاحات بتنسيق مع باقي القوى الديمقراطية ومن ضمنها حزب الاستقلال. بيد أن العمل المشترك لأحزاب اليسار لا يجب أن يبقى محصورا على المستوى الوطني.بل من المفروض آن يتوسع ويشمل المنظمات الجهوية التي تعتبر الآليات الضرورية من اجل تعبئة المناضلين والطاقات الحية داخل المجتمع. ومن اجل إنجاح وحدة اليسار، من الضروري أن لا يضع هذا الجانب أو ذاك شروطا مسبقة. فالمهم هو بلوغ اتفاق مقبول من طرف الجميع على أساس أهداف موحدة. إنها الطريقة الوحيدة من اجل تفادي تشكيل "يسارين" اثنين. وهو ما يعني إعطاء الأولوية للخلافات الثانوية على حساب التناقض الرئيسي الذي يعتبر الفاصل بين قوى التقدم والديمقراطية وبين القوى المحافظة والماضوية. إن القيم التي توحد اليسار أهم بكثير من التباينات التي يمكن أن تميز هذه المنظمة أو تلك، من غير أن تحول دون الالتقاء، علما بأن النقاشات بين مختلف مكونات اليسار كفيلة بان تقرب بين وجهات النظر، وتفرز، بالتالي، تصورا مشتركا على المدى القريب. ولا يعني ذلك انتظار بلوغ اتفاق كامل قبل الخوض في العمل المشترك،بل يجب أن نوازي بين التفكير والعمل، خصوصا وأن البلاد في انتظار استحقاقات حاسمة،من بينها الانتخابات الجماعية في الثاني عشر من يونيو 2009 والتي ستفرز لا محالة المشهد السياسي الوطني الجديد. فمن واجب اليسار الموحد أن يجعل من هذه المعركة الانتخابية نقطة انطلاقة من اجل استعادة المواقع التي فقدها في اغلب المراكز الحضرية الكبرى، مواقع باتت في يد تحالفات رجعية، نموذج الدارالبيضاء، الرباط ،مكناس ومراكش...