وجدة... أنا عاتب عليك... أنا حزين !. أن تتركيني هائماً أبحث عنك.. بين أكياس القمامة وأوراق الجرائد الصفراء... في الأحياء القديمة... والحديثة... الملوثة منها بالأسمنت أو الطين !؟. و أن تأخذي أجمل ما أحببته فيك... طيبة الناس... سذاجتهم... والدين !؟. وأن تحولي بيوتهم العامرة بالخير.. إلى أثر بعد عين !؟. عاتب عليك... عاتب عليك... أنا حزين !. أن تتركي المكان الذي اعتدت أن أراك فيه.. للغربان... وأهل البين!. @@@@ أطرافك... و"الجنان" الجميل... الذي كنت أكحل العين به... بدأ يغرق في رمال المال والإغراء... والفتنة... يبعد أكثر... يتوارى عن النظر أكثر... فأكثر. تحت عجلات "المرسديس"... وعدادات "الأورو"... بين أقدام ألوف البشر. @@@@ ضاعت ملامحك الجميلة... ضاع هدوؤك... اختفت البساتين الوديعة... جف نهرك... طيورك رحلت... عصافيرك هجرت !... حتى الفراشات الملونة الرقيقة... لم تجد لها مأوى تتكاثر فيه!؟... بعد أن حول والي ويلاتنا أشجارك الباسقة... إلى حطب للمدفئة !. سُرقت تحفك بمتحفك (البلدي)... وتحولت كلها في المطحنة... إلى أماكن لهو واصطياف... إلى حبوب "الهلوسة"... إلى "بودرة" !؟. @@@@ وبعض من الفاتنات... _وكما تقتضي الأحوال_... يملأن الفنادق والحانات !؟. أليست لأجلهن بنيت هذه المدينة الراقية الجميلة !؟. على أنقاض تلك التي ولت هاربة!. @@@@ واستغرب بعد كل هذا !؟... لماذا "فرنسا" تستعجل علينا التحضر؟... ولبس "الجينز"... وترك التستر !؟. لقد سبقنا أحلامها بنا أشواطاً !!؟. وصنعنا لها "الماحية" و"البيرة" وعدّلنا قبلها قوام وعقل أهل الريف... والحضر !؟. وتعاطينا لأجلها المخدرات... وبيضنا أموال العصابات... وحولنا فتياتنا العفيفات... إلى خادمات... أنيقات... وبعض منهن إلى عاهرات... وأتساءل بعدها ما نفع "المهاجرات غير الشرعيات" ؟... الإفريقيات والعربيات!؟؟؟.... وعندنا مثلهن مئات... المئات؟ يتضورن جوعا في الأزقة والشوارع وتسبى في ظل عصابات جامعة الساحات ............!!!؟؟؟. @@@@ وجدة... أنا عاتب عليك كثيراً كثيراً جداً... أنا قلق عليك... أنا حزين !؟. أن يسرق فرح الطفولة... من عيون أطفالك باكراً... وتحال أحلامهم بك.. مستقبلهم... آمالهم... إلى سلعة في سوق الأعيان وكبار المدينة. يتفاوضون عليها.. يتقاسمونها... وهم يتسامرون ويضحكون. ومن الخمرة على أنواعها يغبون. ومن عفتك يسرقون... يسرقون... وأنت واقفة على أطلال المدينة القديمة تصلي الفرج !؟... وتناجي الحي القيوم!؟. ليس هكذا تدافع الأم عن أولادها !؟. ليس بالخوف !.... ولا بالدمع!... ولا بالآمال !... ارفضيهم كما استقبلتهم اطرديهم... اخرجي من رحم الأرض واصرخي... بعزم... بقوة... وانهضي... كطائر "الفينيق" استيقظي... استيقظي... @@@@ قبل أن يفوت الأوان ولا تجدي من يمد لك يد العون وتغرقي... في الوهم ... في العار... وتصبحي أسطورة جميلة لا تفيد إلا للتغني... بماضٍ مجيد... تنشد بالأعياد والأعراس !... وهرجانات الغرناطي والراي!.. وترسم صورتك الأنيقة من الخيال فلا أثر لك ولا هيئة إلا ما تواردته الأجيال!... من شيوخ وأبطال. وقد يعطوك حقك من الكمال أو يبخسونه على حسب ما قيل وقال وهذا ما لا تريدينه على كل حال لأنك أبية... شامخة... طاهرة... نقية كحجر الصوان كالصلصال. @@@@ وجدة... إني أفتقدك... أفتقد أسواقك المزدحمة... "حوماتك"... أزقتك المنحنية... المشحونة بعبق الذكريات... بعطرك البكر.. ونظرات عينيك الخجولة. إلى قيمة القبلة الودودة... على يدك الناعمة الحنونة. وكلمات الحب والإعجاب... أنثرها بسخاء... على مسامعك.. دون خوف من لوم أو عقاب. @@@@ أفتقد لطعم خضارك اليانعة... وحلاوة فاكهتك الناضجة. إلى عبير الفل والياسمين... وكل أنواع الزهور... ولما لا إن أضفت إليهم... -من بساتينك الغضة- بعض من حبات "المشمش" ب"جنان عمي لاكيس" وصيد "لمقينين" ب"جنان ولاد خونا". لصوت الباعة في السوق... ونكهة الطماطم والبقول. وصياح الديك... وزقزقة العصافير في الحقول. إلى طعم "الفلافل".. وصحن الحمص "كاران عمي عبدالرحمان" والفول ببيصارة باب سيدي عبدالوهاب. ورائحة خبزك الساخن... الخارج لتوه من "فران الأب ميري" @@@@ وجدة... يا مدينتي المفقودة... بت أخجل من فقدي... غرامي بك... من إعلان حبي... من العشق!؟. أخجل من بذلتي الأنيقة... وبالي مع "جلابتها" و "الحايك". أخجل من لفظ العبارات الجميلة... من لثم أنامل حبيبتي... ودعوتها للعشاء... في مطاعمك الفاخرة. أخجل مما علمتني إياه من عبارات تهذيب.. بعد أن حولوها -بخفتهم- إلى جانحة. حتى الزهور بت لا أجرؤ على إهدائها.. بعد إن خطفوا حشمتها... وأصبحت بين أيديهم سافرة. أما العادات الجميلة... فلم تنجوا من براثنهم... بعد أن سرقوا معانيها... وأضحت فاجرة!؟. وهي حال الأعياد الحميمة، بعد أن استوردوا أسماءها... فتحولت من لم للشمل... والتسامح... والعطاء... إلى تجارة رابحة!؟. والإحسان -على شحه- فقد معناه، بعد أن صادروه... وتحول بفضلهم... إلى حالات نادرة!؟. @@@@ وجدة... يا مدينتي ووجعتي الأسيرة الغالية... لم يبق لنا من كل ما افتقدناه، سوى فتات من كرامة... منسية في الزوايا المهملة. وبعض من همة شبابك الأبي.. وفيض من حب ونخوة. بهم سنستعيد مجدك.. سنستعيد اسمك... ونكسر طوق الرزيلة... ونصرخ بصوت عال... من مآذنها وقاعات الجامعة. ونمسح عن وجهك المتعب المغبر، آثار الجريمة... ونلملم الجراح المثخنة. ونعيد بفضل صبرك على الأذى... فضل تاريخك... مجدك... تراثك... ونخلصك من محنة الضياع... ...من المطحنة!. لتتصدري كتب التاريخ... كما عرفناك... طيبة... ساذجة... قوية... معطاءة...