مساء السبت 27 فبراير 2010، بغرفة الصناعة والتجارة والخدمات نظم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – المكتب الإقليمي بوجدة - لقاء تواصليا مع الأستاذ لحبيب المالكي عضو المكتب السياسي للحزب حول موضوع: " الجهوية – التنمية الحدودية والمغرب العربي" بعد أن رحب المسير الأستاذ الإدريسي (الكاتب الجهوي) بالمحاضر وكافة المناضلين وكذا الحضور، أعطى بطاقة موجزة عن الجهوية ومراحلها التي بدأت مع فرض الحماية الفرنسية على المغرب والتي أخذت شكل مناطق لها صلاحيات ولم تكن تتوفر على الشخصية المعنوية والاستقلال الذاتي، بعد ذلك عرف المغرب نظام العمالات والأقاليم ولم تعرف الجهوية إلا في سنة 1971 (سبع جهات)، ثم جاء قانون 2 أبريل 1979 الذي وضع مفهوما للجهة بالمفهوم الإداري... وبعدها أخذ الكلمة الأستاذ شفيقي (الكاتب الإقليمي) الذي صرح بأن اللقاء مخصص لتصور الحزب للجهوية، في الوقت الذي تعرف فيه الديمقراطية تعثرا كبيرا في بلادنا وانعدام الثقة لدى المواطنين. وبعد هذا التقديم، أحيلت الكلمة للأستاذ الحبيب المالكي الذي استهل كلامه قائلا: " هذه السنة ستكون منعطفا في كل ما له علاقة بالبناء الجهوي، وحول ما يجب أن نقوم به كقوى وطنية ومجتمع مدني وتنظيمات تهتم بالشأن المحلي، ونحن في الاتحاد الاشتراكي لا نعتبر أن الجواب يجب أن يكون وطنيا، على جميع المستويات لأن الإشكالية ليست سياسية بالمفهوم التقليدي ، بل تكتسي أبعادا متعددة أي ما هو سياسي، اقتصادي، اجتماعي، ثقافي، وما له علاقة بجغرافية المغرب والتركيبة المجتمعية لبلادنا. كل هذه العوامل لابد من إعطائها الأهمية التي تستحق، حتى تخلص إلى نموذج مرحلي لا نهائي في هذا المجال، وكل ما له علاقة بالبناء الديمقراطي. وقد تمعنا في الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك يوم 3 يناير 2010 بمدينة مراكش واعتبرناه خطابا تأسيسيا لِمُتطور متقدم لكل ما له علاقة بالجهوية مع ما يجب أن يتم من إصلاحات حتى نعطي الموقع الحقيقي والإطار القانوني الذي يجب أن يحظى بالمصداقية والتمثيلية. والاتحاد الاشتراكي لا يعتبر الجهوية اهتماما ظرفيا بل هي اهتماما استراتيجيا وخيارا ينطلق من قناعاتنا، لأن البناء الديمقراطي يجب أن يكون قاعديا أي يستثمر لفتح المجال للمواطن المغربي حتى يساهم في إعطاء رأيه وصنع وبناء ما من شأنه أن يساعده في تطوير مواطنته. وهذا البناء القاعدي هو شرط من شروط تحسين الجهوية ويشكل مدخلا من مداخل إصلاح المؤسسات والدولة..." ويضيف : " وأنتم تنتمون إلى المغرب الشرقي، فمن العوامل المحفزة لحضوركم هي مصير المنطقة الشرقية، هل سيتم تقليص حدود المغرب الشرقي ؟ هل سيصبح أفضل حالا في إطار التقسيم الجديد؟ وهذه تساؤلات مشروعة، خاصة وأن المغرب الشرقي يعبتر جهة محورية ليست كباقي الجهات لأنه يكتسي أبعادا استراتيجية : بعد متوسطي حيث تربطنا بالاتحاد الأوربي علاقات متعددة منذ شتنبر 2008(الوضع المتقدم)... بعد متعلق بالواحات أي مدخل الصحراء، ونحن نعلم جيدا أهمية هذه الركيزة للمغرب الشرقي، والمقصود هو ارتباط مدينة فكيك بباقي مكونات المغرب الشرقي. وهنا لابد من انضاج النقاش والحلول المناسبة المستجيبة للواقع والتي تأخذ بعين الاعتبار بعض الثوابت البشرية والاجتماعية والاقتصادية...، وانطلاقا من هذا كله، لابد أنكم تطرحون سؤالا آخر، ماهو السر في جعل الإصلاح الجهوي من الأوراش التي فتحت سنة 2010؟ يجيب المالكي قائلا: " الأسباب متعددة وكثيرة لتوضيح هذه الإشكالية الصعبة: - العوامل الخارجية: الوضع الجديد الذي يميز العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوربي (أوربا، الكيانات الجهوية/الدولية) ، لأن تعميق الديمقراطية المحلية يعطي الجماعات المحلية دورا مهما في المجال السياسي والاقتصادي، ورغم تباين التجارب الجهوية، هناك توجه أوربي ديمقراطي عميق جدا يجعل التعاون بين الجهات يساعد على إشراك المواطنين وتحسين الوحدة الأوربية. ونعتبر هذا الجانب له علاقة بإصلاح المؤسسات وعلى رأسها الجهة مما سيعطي نفسا جديدا لمستقبل المغرب والاتحاد الأوربي. - العوامل الداخلية: الإصلاح الجهوي له علاقة بما يجري في أقاليمنا الجنوبية وله علاقة بتدبير الوحدة الوطنية. لكن هنا يجب أن نفرق بين الجهوية الموسعة باعتبارها اختيار جديد حول المستقبل، والحكم الذاتي الذي هو صيغة متميزة وإجراء تطبيقي لما سمي ب "الجهوية الموسعة". كيف ستطبق الجهوية الموسعة؟ هذا سؤال صعب، فاليوم انطلق الحوار الوطني باجتهاد القوى في بلادنا لإعطاء الخطوط العريضة لتصور ما يجب أن تكون عليه الجهة والجهوية بالمفهوم الجديد. أضف إلى هذا أن التجربة الجهوية لم تعطي النتائج المنتظرة، لا نقول إنها فاشلة وإنما نتائجها محدودة أي هي جهوية إدارية (7 جهات سنة 1971) حيث كانت إحدى تطبيقات المخططات الخماسية والثلاثية. ثم جاءت إصلاحات 1996 تميزت بغياب إدارة تقنية في المستوى، ووضع المشاريع ومراقبتها لا إنجازها، وتقسيم جغرافي لا أقول عشوائي لأن التقسيم المستقبلي لن يقنع الجميع. علاوة على ذلك، هذه الجهوية ذات الطابع التقني عمقت الفوارق بين الجهات منذ 30 سنة، مثلا الدارالبيضاء تمثل 20% من الناتج الداخلي الخام، المغرب الشرقي 7%، أكادير 12%، مراكش حوالي 9%، الرباط حوالي9 %... وهناك سبب آخر يتعلق بالانتخابات الجماعية الأخيرة وكل ما له علاقة بتجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين مما جعل الجهة لا تعطي ذلك النموذج الذي يطمح إليه الشعب المغربي. والسبب الأخير هو أن المواطن المغربي ينتظر كل شيء من الدولة وهذا من حقه في هذه المرحلة المعاشة أي التحولانت التي يعرفها المغرب في كل المجالات تجسدت في طلب مجتمعي كبير جدا، والدولة كمؤسسة لا يمكن أن تلبي بنجاعة كل هذه المطالب رغم مشروعيتها. فإذا كان هناك عجز نسبي للدولة، فلابد من التفكير في إعادة البناء الجهوي/الديمقراطي أو الإصلاح، وهو نتيجة تحولات المجتمع المغربي في تفاعل مع محيطه الإقليمي والدولي وثمرة كل التحولات المعاشة منذ 10 سنوات الأخيرة. فإذا اعتبرنا أن الإصلاح ضرورة وطنية، فما هي الجهة التي نريدها؟ إن الخطاب الملكي وضح الفلسفة العامة والتوجهات، وعلينا إعطاء محتوى ملموس لما يجب أن تكون عليه جهة الغد، ويمكن تلخيص ذلك في 5 نقط جوابية: 1- لا يوجد نموذج كثالي يعتبر مرجع للدول الباحثة عن البناء الجهوي يتلاءم وطموحاتها، وهذا لا يمنع من أن نستفيد من تعددية التجارب. 2- إذا أردنا فعلا أن نوفر الشروط لبناء جهوي جديد، لابد من إصلاح الدولة المغربية، ونقصد بذلك أن نجعل الجهة تمارس صلاحيات كانت بالأمس تمارسها الدولة (اللامركزية واللاتمركز) لأننا نعيش مركزية القرار، وهذا لا يمكن أن يعطي المصداقية الضروري لجهة الغد، مما يعني وجود ربط طبيعي بين جهة الغد والدولة وإصلاح الدستور. وهو ربط جديا لا يتسم بالهروب يساهم في تثبيت الاستثمار وجعل الفاعلين يستثمرون في الجهة. 3- في إطار التقسيم الجهوي، الاتحاد الاشتراكي خلافا لباقي الأحزاب التي تأخذ بالمنطق العددي، يعتمد المنطق النوعي (فتح حوار مع المواطنين، البحث عن تقسيم جديد مثلا: أكادير سوس ماسة درعة...) وإذا كنا ننطلق من المنطق النوعي لابد من إبراز العنصر الثقافي لأن جهة الغد يجب أن تكون قوية، وكذا إصلاح وكالة التنمية الجهوية التي يجب أن تكون وكالة لإنجاز المشاريع...، أي لابد من تكييف الإطار الإداري والقانوني لهذه الوكالات، وليس ضروري أن تتخلق بقوانين يناقشها البرلمان. 4- كيف يجب أن تكون جهة الغد؟ الاتحاد الاشتراكي يأخذ بالشرعية الديمقراطية أي تكريس جهة تحظى بالمصداقية لا الانتخاب المباشر. و إذا كان هذا الانتخاب يطرح سؤال ما هو موقع الوالي غدا؟ و ما هي العلاقة بين الوالي و رئيس الجهة؟، فيجب التفكير في هذا معمقا حتى لا تصبح جهة الغد ضحية الشرعية السياسية رئيس الجهة و الشرعية الإدارية و التقنية الوالي . 5- أي جهة نريد غدا؟ الجهة الجديدة ممكن أن تصبح أرضية لتوفير شروط أخرى لبناء المغرب العربي، باعتبار أن مستقبل المغرب الشرقي يوجد في حدود الجزائر. و هذا العنصر يساعد على نوع من الاستقرار لأن المناطق الحدودية لها حساسية من نوع خاص باعتبارها منفذا للتهريب و الهجرة السرية و مجال للعمليات الإرهابية. نحن على صواب و التاريخ بجانبنا و هو لن يرحم من أساء إليه . و يختم الأستاذ المحاضر بكيفية إنجاح هذا المشروع قائلا: نعتبر داخل الاتحاد الاشتراكي وعلى ضوء التجربة و قيم المواطنة، أنه بدون نخبة محلية سليمة و في مستوى ما يطمح إليه الإصلاح الجهوي، سيبقى مناسبة لتراجعات جديدة. فلابد من نخبة متشبعة بقيم المواطنة تعيش هموم المواطنين وتحارب كل الممارسات الدنيئة الشيء الذي يوفر إحدى الشروط الضرورية للإصلاح الذي نحن بصدده. فالنخبة في موقف انتظاري لم تجد الأجوبة المقنعة لتأخذ معاركها. ابتعدنا عن الفاعلين الفكريين والجمعويين... نقر بذلك في حزب الاتحاد الاشتراكي، وهو ما دفعنا إلى فتح حوارات متعددة. و كل الفاعلين يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم، وإذا نجحنا في ذلك علينا أن نغير مواقعنا و أدوارنا و نساهم في إنتاج الإصلاح لأن أقبح شيء هو الإنتظارية. و إن مغرب الغد الذي نطمح إليه كثيرا ستكون له ركيزتان أساسيتان هما الدولة الجديدة والجهة الجديدة. وهذه المعادلة الثنائية هي ورش الغد الذي يجعل البناء الديمقراطي محصن. و في الأخير، و بعد أن لخص الأستاذ الإدريسي مضامين المحاضرة، فتح لائحة المداخلات التسع التي دارت حول السياق الخاص الذي جاءت فيه هذه المبادرة، و التساؤل حول مدى استعداد الدولة لتغيير علاقتها مع الجهة و المنتخبين، وكذا آفاق الجهة الاقتصادية والاجتماعية... وإلى أي مدى سيدافع الحزب عن المرفق العام؟ إعداد: فوزي الأحمادي