"الشعب الجزائري يتطلع إلى التغيير والخروج من الوضع المأسوي والتخلص من نظام أهدر ثروات البلاد في الدعاية لشراء السلم الاجتماعي" استقبلت الجزائر العام الميلادي الجديد،في ظل أجواء سياسية مشحونة،وحالة متصاعدة من الجدل والصخب المثار،بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في شهر أبريل،ويدور صراع غير متكافئ بين النظام الحاكم والمعارضة،تكاد تكون نتيجته محسومة سلفا،لمن يجلس على كرسي الحكم،ومازال رغم المرض والسنوات الطوال التي قضاها على رأس السلطة في الجزائر،متشبثا بمنصبه،لا يعبأ بالدعاوي المطالبة بالتغيير،متطلعا لعهدة رئاسية رابعة،رافضا وهو ورجاله لكافة مطالب قوى المعارضة،بتقديم ضمانات لنزاهة الانتخابات المقبلة واحترام مبدأ تكافؤ الفرص. فتكاد تشير جميع التحليلات السياسية،إلى أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة،قد حسم قراره بالترشح مجددا للرئاسة،بعد أن أعلن الحزب الحاكم،جبهة التحرير الوطني، خوض بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المقبلة،وإتمام عملية تعديل الدستور قبل الاستحقاق الرئاسي. والمراقب من قريب للأوضاع السياسية في الجزائر،يلمس هذا التجييش المتزايد من جانب الحكومة،وأحزاب الموالاة وشبكات المصالح ورجال الأعمال،من أجل الدعاية الانتخابية لبوتفليقة،فلم يكن الحزب الحاكم وحده المؤيد للرئيس،بل إن خمسة أحزاب أخرى أعلنت عن إنشاء تكتل توافقي،لمناشدة الرئيس الاستمرار في كرسي الحكم،في الوقت نفسه،فإن رئيس الحكومة عبد الملك سلال،يقوم بجولات تفقدية في كافة ولايات ومدن الجزائر،يوزع خلالها الأموال والعطاءات،دعما لبقاء بوتفليقة في الحكم،وفي إطار دعائي مكشوف بثروات الشعب وأموال الدولة،لصالح الرئيس الذي خاض مع المرض تجربة صعبة السنة الماضية 2013،ومازال مصرًا على قيادة سفينة الجزائر،لأعوام خمسة أخرى قادمة. في المقابل فان المعارضة الجزائرية لا تملك من القوة سياسيا وشعبيا،ما يجعلها تفرض شروطها أو مطالبها على النظام الحاكم،ويبدو أنها تخوض معركة خاسرة وغير متكافئة،مع السلطة الحقيقية التي يملكها جنرالات الجيش،ويجعلون من بوتفليقة واجهة مدنية لهم،فتلك المؤسسة العسكرية المتحالفة مع شبكات المصالح،ورجال الأعمال والقوى العلمانية والمرتبطة بالطبقة الفرانكفونية النافذة بالبلاد،ذات الصلات الوثيقة بفرنسا،مازالت هي الصوت الأقوى والأكثر تأثيرا في الجزائر. ومن ثم،يبدو أن خيار التغيير في الجزائر،مازال بعيد المنال،وسواء ترشح بوتفليقة أم لم يترشح،استمر أم لم يستمر،فإن جمهورية العسكر في الجزائر،تبدو عازمة على عدم التخلي عن نفوذها ومكتسباتها،ولذلك فإن السلطة الحاكمة تسير في طريقها،على النحو الذي رسمته مسبقا،رافضة لكافة مطالب المعارضة،باستقالة الحكومة وتأجيل عميلة تعديل الدستور إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية،كما ترفض في الوقت نفسه،مطالب التزام مؤسسات الدولة بالحياد واحترام مبدأ تكافؤ ،وتشكيل لجنة مستقلة للإشراف على الاستحقاق الرئاسي،عوضا عن وزارة الداخلية. وما يعزز التوقعات السابقة بتضاؤل فرص التغيير في الجزائر،تلك المؤشرات المتعددة بتزوير الانتخابات الرئاسية المقبلة،لصالح الرئيس الحالي بالطبع،خاصة بعد رفض النظام الحاكم،تقديم أية ضمانات لنزاهة وحيادية العملية الانتخابية،كذلك فإن المعارضة الجزائرية تبدو ضعيفة ومتهافتة،ومنقسمة على نفسها إزاء العملية السياسية بالبلاد،فالبعض يرفع خيار المقاطعة،والبعض الأخر يدعو إلى الاتحاد خلف مرشح واحد،لمواجهة مرشح السلطة،لكن الخلاف بين أطياف المعارضة هو سيد الموقف،وغياب الشفافية والنزاهة،يرجح أن تظل الجزائر دولة الرجل المريض. وفي نفس السياق،علم أن مجموعة الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية الجزائرية،قررت الخروج من مرحلة الاجتماعات واللقاءات المغلقة إلى تنظيم تجمعات،واحتجاجات ولقاءات إقليمية لتجنيد قواعدها والضغط على السلطة لدفعها إلى تأجيل تعديل الدستور إلى ما بعد الاستحقاقات وتغيير الوزراء المعنيين بتنظيم العملية الانتخابية. وقررت قيادات 37 حزبا سياسيا إلى جانب شخصيات وطنية عقد لقاء تشاورى يوم الخميس القادم لوضع اللمسات الأخيرة على برنامج عمل يختلف تماما عن اللقاءات التى عقدتها وهى تنظيم لقاءات قمة بحضور وسائل الإعلام للإعلان عن مبادرات تتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة،كان آخرها الاجتماع الذى تم على إثره المطالبة بإرجاء تعديل الدستور "حتى لا يكون خدمة لأهداف محددة،وهى تمكين الرئيس من مواصلة الحكم مستعينا بنائب رئيس فى أداء مهامه"،إلى جانب المطالبة بتنصيب حكومة توافقية تتولى تنظيم الانتخابات فى ظل الشفافية والنزاهة. وتتمثل خطة العمل الجديدة – وفق ما كشف عنه رئيس جبهة الحكم الراشد عيسى بلهادي في تنظيم لقاءات ولائية وجهوية،ينشطها قيادات الأحزاب التي تشكل مجموعة 37 إلى جانب الشخصيات الوطنية التي انخرطت في هذا التكتل لشرح رهانات الاستحقاقات المنتظرة وجدوى المطالب التي تم رفعها. وقالت مجموعة أحزاب المعارضة الجزائرية (14 حزبا)،منضوين تحت تحالف:"الدفاع عن الذاكرة والسيادة"،إثر انعقاد ندوة سياسية برئاسة رؤساء الأحزاب نهاية العام المنصم تحت عنوان "ماذا تحقق من بيان أول نوفمبر 1954؟"،أن الذي يحز في نفوس المخلصين من جيل الثورة وأبناء الاستقلال اليوم،أن حصيلة الانجازات بعد أكثر من خمسين سنة من طرد المستعمر تركزت على الهياكل وأهملت الإنسان،وخاصة من حيث مستوى التعليم والعدالة الإجتماعية،والرعاية الصحية،مما لا يتناسب مع حجم تلك التضحيات والتطلعات،والإمكانيات المادية والبشرية التي تزخر بها الجزائر،حيث ظل الاقتصاد الجزائري يعتمد على الريع البترولي في ظل فساد مالي وإداري غير مسبوق،وفي ظل غياب رؤية اقتصادية واجتماعية تعمقت معها الفوارق الاجتماعية،بسبب غياب العدل في توزيع الثروة وإسناد المسؤولية وتغييب الشعب عن الشأن العام،وفرض الحكام عليه دون إرادة منه،ما جعل السلطة القائمة في البلاد غير قادرة على حفظ السيادة والذاكرة.وأكدت بأن طريق المحافظة على السيادة رد الاعتبار لشرعية الحاكم بإعادة الكلمة للشعب من خلال انتخابات شفافة ونزيهة،وذات مصداقية،ولا يتأتى ذلك إلا من خلال لجنة وطنية مستقلة تشرف على العملية الانتخابية في كل مراحلها بعيدا عن هيمنة الإدارة وحسابات النظام الضيقة.وحملت النظام الجزائري مسؤولية انحراف السلطة عن مبادئ وأهداف بيان أول نوفمبر الذي واكب انطلاق الثورة الجزائرية المجيدة ضد الاستعمار، وذلك في إقامة جمهورية جزائرية ديمقراطية واجتماعية ذات سيادة في إطار المبادئ الإسلامية. وأكد رئيس حزب التغيير،عبدالمجيد مناصرة،أن واقع حقوق الإنسان والحريات في الجزائر لا يزال بعيدا عن ما يتطلع إليه المواطن.وقال مناصرة،خلال تدخله في ندوة نظمها الحزب حول "حقوق الإنسان في الجزائر..الرَّاهن والآفاق"إن السلطة لا تزال تعتبر المعارضة "عدوّة ودخيلة وغريبة عليه وليست جزءا منه،كما لا توجد ضمانات كافية لممارسة المعارضة لحقوقها".وانتقد واقع حقوق الإنسان في الجزائر،بقوله "إن الحقوق في الجزائر تعتبر منة وليس حق"،حسب منطق السلطة،حيث لا يزال حق التعبير مثلا في الجزائر مقيّدا ومكبلا. كما أشار عدد من الحقوقيين ورجال القانون الجزائرين إلى أن التشريعات الجزائرية الأخيرة،تعتبر تراجعا خطيرا عن مبدأ حماية حقوق الإنسان وحرياته،فالمنظومة التشريعية الجزائرية بعيدة كل البعد عن واقع المواطن.فرغم تضمن الدستور الجزائري لعدد كبير من البنود التي تنص على احترام حقوق الإنسان إلا أن هذا الأمر لا يعدو أن يكون حبرا على ورق والواقع أبعد ما يكون عن النظري،والأحزاب والمجتمع المدني لهم دور بشكل كبير في تكريس هذه الحقوق والحريات وحمايتها،لكن السلطة القضائية لها دور أعظم في حماية هذه الحقوق والحريات وصيانتها.لكن السلطة القضائية ليست ضامنة في الجزائر للحقوق والحريات،كما لا يمكن لسلطة قضائية مستقلة في إطار نظام تسلطي استبدادي.والنظام القضائي الجزائري في شكله يعتمد على حماية الحقوق والحريات لكن عمليا وواقعا الأمر مختلف تماما،كما أن النظام القضائي الجزائري في هيكلته يحتوي في أحد شقيه على سلطة النيابة العامة،وهي ممثلة في شخص وكيل الجمهورية على مستوى المحاكم،والنائب العام على مستوى المجالس،وهذه السلطة لها الإمرة على كل أجهزة الأمن،وكما هو معروف فإنه في المراحل الأخيرة ازدادت رقعة صلاحيات النيابة العامة،وكلما زادت صلاحيات النيابة العامة كلما تقلصت الحريات والحقوق باعتبارها جهات ضبط. ويشير عضو المجلس الوطني في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان عبدالمؤمن خليل،إلى قلق منظمته بشأن بعض ممارسات الدولة الجزائرية التي قال إنها "صادقت على جميع المعاهدات الدولية لحماية حقوق الإنسان لكنها لا تلتزم بها،كعدم احترام حق التجمع وتكوين جمعيات والوصول للمعلومة وعدم استقلالية القضاء". يذكر،أن بوتفليقة تغييرا جديدا في جهاز الاستعلامات،شملت إنهاء مهام مدير الأمن الخارجي،وتعد مديرية الأمن الخارجي والأمن الداخلي ومكافحة الجوسسة أبرز الفروع الاستعلاماتية في جهاز الاستخبارات في الجزائر.وكان بوتفليقة قد اتخذ قرارات سابقة في جهاز الاستخبارات، شملت إلحاق المديرية المكلفة بمتابعة الصحافة والإعلام والاتصال،وكذا مديرية أمن الجيش بقيادة أركان الجيش التي يقودها نائب وزير الدفاع قايد صالح. من جانبها،رأت أحزاب المعارضة أن هذه التغييرات تأتي على خلفية محاولة جهاز الاستخبارات قطع الطريق أمام رغبة الرئيس بوتفليقة تمديد عهدته الحالية التي تنتهي دستوريا في أبريل المقبل،أو إعادة ترشيح نفسه لعهدة رئاسية رابعة.وقال رئيس حزب "جيل جديد" المعارض جيلالي سفيان إن "الرئيس بوتفليقة يسعى الى ترتيب كل الظروف على مستوى الحكومة والجيش والاستخبارات،لإتمام أحد ثلاث سيناريوهات تتصل بالرئاسيات المقبلة،ترشيح نفسه أو تمديد عهدته الحالية وفق مخرج دستوري،أو ترشيح شخصية من محيطه،تضمن له استمرار تطبيق سياساته،وعدم الخوض في أي ملفات أو قضايا قد تحرجه أو تحرج مقربيه".