فصل دستوري من أربع كلمات، تحول في الأيام القليلة الماضية إلى محور نقاشات حقوقية، بعد منح عفو ملكي للبيدوفيل الإسباني «دانيال غالفان فينا»، قبل أن يصدر ليلة أمس الاثنين، بلاغ عن للديوان الملكي، أٌعلن من خلاله عن إعطاء تعليمات لوزارة العدل من أجل «اقتراح إجراءات من شأنها تقنين شروط منح العفو في مختلف مراحله». عبارات ستغير لا محالة من مسطرة نيل العفو مستقبلا، خاصة في ظل تصاعد الدعوات المطالبة بإعادة النظر في آلية العفو، وأيضا المعايير التي بموجبها يستفيد مدانون بأحكام قضائية بالعفو الملكي، إضافة إلى معاقبة «المتلاعبين بلوائح العفو الملكي»، كما جاء في بعض الشعارات التي رفعها محتجون بتطوان، والتي أشاروا من خلالها لبعض حالات استفادة بعض تجار المخدرات المعروفين بالمنطقة من العفو ومن تخفيض الأحكام بطرق ملتوية، في حين لم يستفد من هو في حاجة إليها، حسب الشعارت نفسها التي صدح بعض المحتجين. جاء في نص الفصل 58 من دستور المملكة، أن الملك يمارس حق العفو، لكن من هم المتدخلين في منحه، وكيف تتم دراسة ملفات العفو، وإعداد لوائح المستفيدين منه؟. الظهير الشريف المنظم للعفو الملكي، الذي تم تعديله سابقا في 8 أكتوبر 1977 و 25 أكتوبر 2011، أسند إلى لجنة خاصة تضم مسؤولين سامين في وزارة العدل والقضاء والسجون مهمة دراسة طلبات العفو، ثم تبدي اللجنة رأيها في طلبات العفو والمقترحات، وترفعه إلى الديوان الملكي للبت فيه من قبل الملك. وإذا كانت التركيبة التعددية للجنة المذكورة، تٌكرس حضور السلطة القضائية إلى جانب المؤسسات المشرفة على آلية تنفيذ العقوبات الجنائية، إضافة إلى الديوان الملكي من أجل البت في الطلبات والمقترحات، فإن طريقة عمل هذه اللجنة والضوابط التي تحكم دراسة طلبات العفو الموجهة إليها والمقترحات المرفوعة إليها، لا يعفيها من تحمل المسؤولية المعنوية بنسبة كبيرة عن الحالات التي يتمتع فيها أشخاص مدانون بأحكام قضائية بالعفو الملكي، رغم كونهم لا يستحقون نيله، كتجار المخدرات والمغتصبين وناهبي المال العام وغيرهم. منح «دانيال غالفان فينا» العفو الملكي، دفع الجدل الدائر حاليا إلى الخوض رسميا في التفكير في صيغة لمراجعة ظهير العفو، بما يضمن الاعتبارات القانونية لحفظ حقوق الغير في إطار معايير واقعية، بعيدا عن التطبيق المشوه لمسطرة العفو والضوابط والشروط التي تنظم منحه والاستفادة منه، كحالة سجين مدان بثلاثين سنة، قضى سبعة وعشرون سنة وستة أشهر، وبالرغم من توفره علي كل الشروط التي أعلن عنها كمقاييس للتمتع بالعفو الملكي، كمضي ثلثي المدة المحكوم بها، وكونه مثالا لحسن السيرة والسلوك، وحصوله على عطلة عشرة أيام أمضاها مع عائلته دون مشاكل، لكنه لم يستفد من هذا الحق الدستوري، رغم بعثه 22 طلبا للتمتع بالعفو طيلة سنوات سجنه، سجين آخر جسدت واقعة استفادته من العفو الملكي، حادثة غريبة تمثلت في تمتيعه بالعفو، رغم أنه كان مقررا أن يخرج من السجن بعد ثلاثة أيام فقط بعد قضائه للعقوبة المحكوم بها والمحددة في سنة ونصف، وقد كان رد فعله أن تمنى لو يمنح حقه هذا لسجين آخر. خلال إحدى عمليات العفو، والتي شملت أكثر من سبعة آلاف سجين، لوحظ بسجن آسفي مثلا أن 88 فردا من أصل 300 سجين تمتعوا بالعفو، عادوا مجددا في قضايا آخرى، أياما فقط بعد حصولهم على العفو، كما سجل عودة 27 شخصا من أصل 153 تمتعوا بالعفو بالسجن المدني بسلا، 48 ساعة بعد خروجهم، وهي عملية يمكن رصدها بمؤسسات سجنية أخرى. وزارة العدل عبرت على عهد وزير سابق، أنه سيتم توسيع معايير الاختيار حتى يستفيد أكبر عدد من السجناء من العفو الملكي و أن اللجنة المكلفة بالاختيار تعطي الأفضلية للاشخاص المسنين والمرضى والمعتقلين لمدة طويلة وكذا الشبان الذين تعلموا حرفة داخل السجن إضافة إلى النساء الحوامل أو اللواتي يتكفلن بطفل داخل السجن، لكن ما لاتعلمه ربما الوزارة هو أن تحديد المعايير شيئ، وتطبيقه علي أرض الواقع شيئ مخلف تماما.