حرية الصحافة والتعبير في المغرب والأسئلة الحارقة ذ.رشيد زمهوط سجل التقرير السنوي حول واقع حرية الصحافة والإعلام بالمغرب التي تصدره النقابة الوطنية للصحافة المغربية ازديادا مضطردا للاعتداءات الجسدية على الصحافيين، تهمّ حالات الضرب والتنكيل والمضايقات والسبّ والتهديد، ومنع الصحافيين المصورين من القيام بعملهم. رئيس النقابة الزميل يونس مجاهد وصف المنحى التصاعدي للاعتداءات الجسدية التي تطال الصحفيين «بالخطير» وشدد على أن ملف إصلاح الاعلام بالمغرب لم يتطور بالشكل المطلوب وأن الانتظارات القوية لم تجد لها أجوبة حقيقية. تقارير المنظمات الدولية المتخصصة في رصد وتتبع تطور مجال حرية التعبير بالعلم و التي صدرت بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة قبل أيام وجهت مجددا صفعات باردة الى المملكة. فريدوم هاوس صنفت المغرب ضمن البلدان المقيدة لحرية الصحافة، فيما وضع المؤشر السنوي لحرية الصحافة التي تصدره مؤسسة مراسلون بلا حدود التي تتخد من باريس مقرا لها بلادنا مجددا في ذيل الترتيب 136 من أصل 179دولة . الصورة السوداوية و البالغة القتامة التي ترسمها التقارير الوطنية والدولية عن وضع حرية التعبير في بلادنا تطرح أكثر من سؤال حول ما تحقق من مكاسب حقوقية في ظل التجارب السياسية والحكومية التي سبقت أو تلت عواصف الربيع العربي. نهاية شهر فبراير الفارط وفيما يعتبر ردا رسميا على التقارير الدولية المنتقدة لحصيلة المملكة في مجال حرية التعبير والصحافة أصدرت وزارة الاتصال ما أطلق عليه بالتقرير السنوي حول جهود النهوض بحرية الصحافة برسم سنة 2012. التقرير الرسمي إعتبر حينها أن النهوض بحرية الصحافة بالمغرب يعد أولوية حكومية تستند على الدستور الجديد الذي أكد على أن حرية الصحافة مضمونة_ وهو ما ترجمه البرنامج الحكومي الذي نص على العمل من أجل «إعلام ديمقراطي وحر ومسؤول ومبدع»، باعتبار أن التقدم في مسلسل الإصلاحات مرتبط بتعزيز أسس صحافة حرة ومسؤولة. يحق لنا أمام الالتزام الحكومي المعبر عنه بإرادة سياسية واضحة عن الرغبة في تطوير شروط النهوض بحرية الصحافة والتعبير ببلادنا أن نتسائل عن دوافع ومبررات هذه الردة المؤسفة التي تترجمها التقارير والبلاغات المتواترة الى خلاصات صادمة ومخجلة فيالآن نفسه. الوزير الوصيعلى القطاع يحاول أن يقنعنا بأنه يتبنى مقاربة قانونية محضة مفادها أنه لا يمكن الحديث عن حرية الصحافة دون إرساء منظومة قانونية كفيلة بضمان الحق في الوصول إلى المعلومة ونشرها. لكنه يعود الى نقطة البداية المتعثرة حين يعتبر أن إشكالية التوفيق بين حرية الصحافة والمسؤولية تتجاوز كونها مجرد إشكالية قانونية حيث أصبحت لها أبعاد سياسية وثقافية واقتصادية تهم على الخصوص من وجهة نظره السطوة المتزايدة لمؤسسات الإعلان والإشهار على استقلالية وسائل الإعلام وتقترن الى الحاجة الى آليات و أدوار التنظيم الذاتي للمهنة في حل معضلة الجمع بين الحرية والمسؤولية. نحن هنا أمام تصور غريب للسلطة التنفيذية الوصية على قطاع الاتصال ببلادنا. فمن جهة نلمس الارادة السياسية والرغبة الرسمية المعبر عنها للنهوض بمجالات حرية التعبير والممارسة المهنية ببلادنا ولكن في نفس الوقت هناك تبريرات هلامية تحتوي هذا النفس الاصلاحي وتبحث عن مخارج وحلول خارج بيت الحكومة في محاولة للتنصل من مسؤولية الواقع السوداوي الذي لا يمكن لطرف أن يزايد على ردائته . الواقع يعكس بوضوح وجلاء استمرار المغرب داخل حظيرة الدول الخالية من حرية الصحافة والتي تمثل قرابة 32 في المئة من دول العالم ومحاولة تبرير هذا الوضع فقط بضعف البيئة القانونية التي تشتغل فيها وسائل الإعلام، وكذلك لاعتبارات تتصل بتضييق السياسيين على منابر الإعلام، واستمرار الضغوط الاقتصادية على المقاولات الصحفية هي في تقديرنا مسالك فاشلة لمقاربة موضوعية لرهانات الاصلاح. المغرب صادق على أغلب الاتفاقيات الدولية التي تخص حرية التعبير ودستوره رائد في كفالة حرية التعبير عن الرأي. لكن ما بين الارادة السياسية الصادقة و النصوص القانونية المتطورة وتنزيلهما الى ميدان الواقع هناك بون شاسع من المطبات والأيادي المتسترة والعلنية التي تتدخل للتحكم في جرعات الاصلاح والتغيير معتبرة المغاربة قاصرين في التمتع بما تضمنه لهم على الأقل أسمى وثيقة في البلاد من حقوق وتسطره من واجبات. من هذا المنطلق يتعين مقاربة معضلة حرية الرأي والتعبير والصحافة ببلادنا عوض الاختفاء عند مناسبة كل امتحان عسير وراء إجترار تبريرات واهية.