ذ.عبد المنعم سبعي حقائق الناس مع السياسة لا تتشابه، ووصول المشتغلين بها إلى مراكز متقدمة من هرم التسيير،يتباين من حالة إلى أخرى، لكن هناك أشخاصا لا يملكون الوسائل والأدوات ليصبحوا من الرؤساء والبرلمانيين، وعمر حجيرة ليس من هؤلاء بالطبع، فهو ابن عبد الرحمان حجيرة الرئيس السابق لبلدية وجدة والنائب البرلماني السابق، ومفتش حزب الاستقلال بها، وهو أيضا أخو توفيق حجيرة وزير الإسكان في حكومتين متتاليتين ورئيس المجلس الوطني لحزب علال الفاسي. فعندما ولد عمر حجيرة بوجدة يوم 9 ماي 1967 ولد تحت نجمة البياض السياسي الذي عاشه المغرب، بحكم تعطيل المؤسسات الدستورية وإعلان حالة الاستثناء، فتوقفت العمليات الانتخابية من سنة 1965 إلى 1969 وإذا كان من شيء ما مرتبط بفترة الميلاد، فإن رياح صراع حزب الاستقلال مع الأحزاب الإدارية من جهة والمعارضة من جهة ثانية، ملأ قدر هذا الرجل، وربما تكمن شعرية الحياة ومادتها البلاغية في وجود بعض الانسجامات بين الماضي والحاضر، أولنقل إن إكراهات الوالد التي عاشها في تلك الفترة وما تلاها من محطات، قد صيغت في حياة عمر بطريقة أخرى وبحدة أقل ولكن ربما بنتائج مختلفة. فمرحلة الاستثناء هاته دفعت بحزب الاستقلال آنذاك إلى مقاطعة الانتخابات بمعية الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعض المنظمات النقابية، وتبعا لذلك تم التنديد بالخروقات الكبيرة التي صاحبت عملية التهييء لها، لكن بعد انتخابات 1976 سيعرف حزب الاستقلال كيف يجني بعض الثمار، ويتخلى عن جزء من انتقاداته للسلطة، وبذلك سيجد نفسه في صراع مع الأحزاب اليسارية المعارضة فضلا عن صراعه السابق مع جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، ولعله نفس الصراع الذي عاشه حجيرة الابن في بيته الاستقلالي عندما وجد نفسه بين سندان العدالة والتنمية ومطرقة الأصالة والمعاصرة في إحدى محاطته السياسية، لكن قبل ذلك، هل رئيس الجماعة الحضرية لوجدة يستجيب اليوم لتلك الدعوة التي وجهها ذات يوم الكاتب الألماني شيللر على لسان “درن كارلوس" عندما قال : “لقنوه أن يكن نفس الاحترام لأحلام الطفل". أو بمعنى آخر هل بقي عمر الرئيس مخلصا لتطلعات الوالد وتربيته التي ستظل جنته التي يحملها معه؟ ويمارس اختصاصات مراكزه بروح الطفولة، وروح الطفولة تجعله يقيم للعالم القيمة التي تنبني عليها السياسة والأحلاف، فلا أحد يقول إن الجزء القابل للحياة من العالم لا ينتمي للأطفال، أو الأبطال أو الشهداء، ولنقل إن عمر البرلماني والرئيس يرعى الطفل الذي كانه وجرب المسؤولية في المنظمات الموازية للحزب، وطمح في لحظة ما أن يجرب المسؤولية على نطاق أوسع . فخلال دراسته الابتدائية بمدرسة ابن حمديس سيحشر عمر في المخيمات التابعة للحزب وسيشارك في مخيمين بالسعيدية أولهما بجمعية التربية والتخييم وثانيهما بالكشفية، وفي المرحلة الإعدادية سيشغل كاتب الشبيبة المدرسية، وبعد حصوله على البكالوريا من ثانوية عمر بن عبد العزيز سنة 1986 وتوجهه إلى بولونيا لمتابعة دراسته الصيدلانية، سينشئ أول نواة لطلبة المغرب ببولونيا، وفور تخرجه وعودته إلى وجدة سيخلق أول فرع لرابطة الصيادلة الاستقلاليين بوجدة لكن السيرة الشفوية لعمر تقول."...لم أكن أعتقد يوما أنني سأزاول العمل السياسي،...بل كنت دائما أعارض والدي خصوصا عندما كان رئيسا لبلدية سيدي زيان، على اعتبار أن العمل الجماعي مضني ومتعب وتثار حوله العديد من الشكوك والاتهامات... وأكثر من ذلك لم نكن نستمتع بحياتنا مع الوالد، لأنه كان دوما منشغلا بالعمل السياسي، وكان بيتنا قبلة للاجتماعات والتجمعات...."هكذا صرح عمر أو هذا ما كان يعتقده، غير أن محطة الطفولة بما حملته من إعداد وتهيئ تشي أنه طمح في لحظة ما أن يكون رئيسا أو برلمانيا وربما وزيرا، وبهذا الشكل عاش الحياة الحقيقية لابن عائلة تقلب أفرادها في المناصب والمسؤوليات ولن يكون عمر بدعا منها ولا نشازا. بالنسبة لمناضل شاب في حزب كبير وعتيد، أن يجد له مكانا ضمن ركائز الحزب وبناته، هو ذلك الأمر العسير، أو شبه المستحيل الذي يعطل جزء من الماضي ويبدوأن هذه الصورة تصدق على عمر حجيرة خلال استحقاقات 2002، وهي موعد ولادة عمر الولادة الثانية، تشير بعض الجهات الاستقلالية إلى أن الحزب في هذه الفترة كان منظما وديمقراطيا بفروعه الثلاثة، ففرع سيدي زيان كان على رأسه عبد الله الزجلي، وفرع سيدي ادريس، وكل أمر الإشراف عليه إلى النهاري، بينما وادي الناشف كان كاتب فرعه هو لحبيب بوتشيش، وكان هؤلاء الاستقلاليون الثلاثة ضد ترشيح عمر حجيرة لاستحقاقات 2002، بدعوى التصدي لمنطق الوراثة، وفتح الآفاق أمام مناضلين استقلاليين أحق بتمثيل الحزب والدفاع عنه والترشح باسمه، هذا الوضع سيفرز واقعا جديدا داخل حزب الميزان، إذ ظهرت ثلاثة أصناف من الاستقلاليين وهم المطرودون والمجمدون لعضويتهم والباقون في مزاولة نشاطهم داخل الحزب، ومن بين المطرودين بالطبع الثلاثة الذين انتفضوا وهم كتاب الفروع الثلاثة، ليتم الاهتداء إلى تبني تنظيم المقاطعات إذ يتم تعيين منسق لكل مقاطعة والاكتفاء بمكتب فرع مدينة وجدة الذي اختير عمر حجيرة كاتبا له بطريقة توافقية في غياب المنهجية الديمقراطية، انتهت انتخابات 2002 بكل الذي عرف عنها فكانت خسارة الحزب في هذه المحطة، فحزن من حزن، وانتشى من انتشى لكن سرعان ما سيعين توفيق حجيرة وزيرا في حكومة جطو، واعتبر هذا التعيين نقطة تحول هامة في تاريخ حزب علال الفاسي بوجدة، حيث أصبح عمر من أكثر مناضلي الحزب دفاعا عنه، ومن أوفرهم حظا لجمع كلمة الاستقلاليين بوجدة، فانتعش الحزب محليا انتعاشة لم تعهد من قبل، فحتى أولئك الاستقلاليون الذين عرفوا في السابق بمعارضتهم لتوريث الحزب لآل حجيرة راحوا بصفقون لعمر ويهتفون ببقائه ضامنا لوحدة الحزب محليا، لكن عمر سيظل حاملا مجسات التحليل والبيان، ومقاومة المنتقدين بلغة شبيهة بلغة المحللين النفسانيين، لقد رأى فيما حدث صراع جيلين من الاستقلاليين، يقول عمر: " حزب الاستقلال مر بحقبة صعبة بإقليم وجدة في بداية الألفية الثالثة، حيث كان هناك جيل من الوطنيين والمقاومين الذي أشرف على تدبير أمور الحزب بوجدة، وهكذا تسلمنا نحن المشعل جيل الشباب، بعد أن خلقنا التغيير بشكل سلس وبكل هدوء داخل فرع حزب الاستقلال بوجدة منذ أكثر من 10 سنوات، والذي هو أحد المطالب الأساسية للعراك السياسي الحالي، دون المرور إلى التظاهرات والاحتجاجات، وبالتالي إنتقل تدبير الحزب من جيل إلى جيل، وكانت لدينا صعوبة كبيرة لفرض أنفسنا كشباب داخل الحزب، خصوصا أن الحزب كان بين أيدي مقاومين كبار وأسماء بارزة بالمنطقة الشرقية، وهذا الجيل الجديد فعلا وجد صعوبة في البداية، لكن مع مرور الأيام والشهور والسنوات، بدأنا نفرض أنفسنا بفضل تماسكنا وإصرارنا، واخترنا طريق التغيير والإصلاح، لكن في إطار الوحدة والتوافق وليس في إطار الانقسام وتفكيك الحزب.... فأولئك الذين ساندوني خلال استحقاقات 2002، لم أكن لأخذلهم، بل تيقنت بالعمل السياسي، وآمنت بضرورة العمل على مستوى تغيير الهياكل وتشبيها وتذويب الخلافات، كما آمنت بأهمية التواصل والنزول إلى الميدان ونشطنا في إطار الجمعيات وخاصة جمعية زيري، فكانت الفترة الممتدة بين 2002 و 2007 زاخرة بالعطاءات، لذلك عندما جاءت انتخابات 2007 كنا قد فرضنا وجودنا على الساحة المحلية وفزنا بمقعد برلماني..." خلال 2009 وبمناسبة حلول موعد الانتخابات المحلية، سيجد عمر مرة أخرى إسمه يتربع على لائحة حزب الميزان، فصفق لهذا الاختيار من عهد التصفيق وكظم غيظه من ألف التمرد والشغب، سلوته ربما امتيازات في الطريق، أقله الظفر بموقع متقدم ضمن لائحة الحزب لضمان صفة الاستشارية بالجماعة الحضرية لوجدة،لكن هل كان عمر يعتقد في هذه المحطة أن يصبح رئيسا للجماعة، ففي السياسة كما في الطب والصيدلة يصدق على الدكتور عمر ما كتبه أبوقراط، فقد كتب عن المحيط وتفاعلاته “الحياة قصيرة، والتقنية تتطلب وقتا طويلا لاكتسابها، واللحظة المناسبة هاربة والتجربة الفردية خداعة والقرار صعب، لا يكفي الطبيب أن يتصرف وحده كما يجب ذلك، بل عليه أن يجعل المريض نفسه والمحيط والتأثيرات الخارجية تتضافر من أجل العلاج" والتأثيرات الخارجية هنا هي ما قد يسميه الدكتور عمر."كرم الرب." الذي تدخل في اللحظات الأخيرة ومنحه رآسة الجماعة الحضرية بكل الذي شاع وقتها من تدخل السلطة لتجريد حزب العدالة والتنمية من الرآسة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الفوز بها، هنا كانت الدولة كعقل استراتيجي، تدخل للأحزاب وبالإحزاب، وللمنتخب وعن المنتخب، إنها المفارقة العجيبة. عن هذه المحطة يقول عمر:" لم أكن أتصور أن أصبح رئيسا لبلدية وجدة، وقد كنت قد رفعت شعار إما الرئاسة أو المعارضة لأنني كنت متيقنا أن الكرسي المريح في العمل الجماعي هو كرسي المعارضة... فجاءت النتائج، ففازت اللوائح التي فازت، واتصلت بأفتاتي مباشرة بعد ظهور النتائج، وكنت قبل ذلك قد نسقت مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل مكتب البلدية في حال فوز اللائحتين، فكانت النتيجة أن باءت هذه المحاولة بالفشل لتشبث كل طرف بالرآسة، لذلك بحثنا عن تحالفات أخرى فكان المجلس الحالي..." هذا المجلس ستعرف مسيرته انتكاسات كبرى، تتجلى أساسا في جنوح البعض من المحسوبين على الأغلبية نحو المعارضة الفعلية،ومرة أخرى يتضح أن المطلوب هو رأس عمر حجيرة لكن هذه المرة عن طريق المعارضة، وربما فكر عمر حجيرة كما باسكال عندما قارن العمل السياسي بالعمل في مستشفى للأمراض العقلية، كانت اللحظة مجنونة ولا شك، وكان الزمن ملتبسا، ولم يكن هناك أقوى في أحكام السياسي من قدرة الاختيار بين السلبيات الكبرى، وفي تقديرنا أن عمل المعارضة كقدر مستشاري العدالة والتنمية تحكمت فيه الفكرة العليا لحكومة بنكيران بما هو مضاد للقناعات أحيانا، ولعل هذا ما يبرر نزوحهم نحو التليين من الانتقادات لبلدية وجدة ورئيسها خصوصا بعد تلك الصيحات التي كان يبعثها عمر في جميع الاتجاهات:"لا يمكن أن أساندهم بالرباط وهم يعارضونني بوجدة." لكن دخول الأستاذ مصطفى بنحمزة والوالي محمد مهيدية على الخط لإصلاح ذات البين كان له الأثر الأبرز في تليين المواقف. هذه المصاحبة الحليمة لمنطق التحالفات، ما بين التماهي وما بين الإذعان لن تدوم طويلا باسم التحالف نفسه، إذ جاء وقت صعود شباط إلى الأمانة العامة للحزب، ونشبت تلك الحرب الكلامية بين الاستقلال والعدالة والتنمية غداة بعث تلك المذكرة لرئيس الحكومة من طرف شباط، لكن منطق التحالف يعرف أخلاق العراك، ويعرف تلك القولة الشهيرة القائلة:" هناك قاعدة خالدة في الأخلاق والسياسة، وهي لا يجب أن تدفع عدوك إلى اليأس"، ومع أن عمر لم يكن عدوا لأحد فقد ييأس أحيانا، وكان الحزب يهتم به. توضح الكثير من الشهادات أن عمر لم تتفتح شهيته لخيانات واستفادات ولم يتورط في ملفات فساد كما دأب على ذلك العديد من الرؤساء، ولم تتلطخ يده لحد الآن بصفقات مشبوهة قد تقدح في نزاهة الرئيس الحالي للجماعة، لكن انتظارات المناضلين من حزب الاستقلال والشرفاء من أبناء المدينة، لازالت بعيدة التحقق، ويعزو الكثير من المتتبعين للشأن المحلي هذا النكوص إلى محيط الرئيس الذي لا يختلف عن محيط سلفه والذي فرضه طبعا منطق التحالفات، وبالمقابل تدافع الجهات الموالية لعمر عن تجربته بكل تفان وتؤكد أن التسيير الجماعي قد تحسن بكثير مقارنة مع المجالس السالفة وأنه تم تسجيل العديد من النقط الايجابية لصالح عمر ففضلا عن الانخراط الواسع لهذا المجلس في الكثير من الأنشطة الثقافية والدينية وإبداع صيغ جديدة في التسيير، فقد تم التعامل مع عملية التزفيت بمنطق الحاجيات والتتابع بعيدا عن منطق الولاءات الانتخابية كما كان متداولا في السابق. وحين اعتمد عمر حجيرة في حملته الانتخابية لتشريعيات 2011، على مجلة من 20 صفحة بالألوان عنوانها الميزان، توضح حصيلته خلال السنوات الأربعة الماضية، بدا فعلا كمحارب سلاحه هو التواصل وتوضيح المنجزات، اعتمد عمر في هذه المجلة على مشاركته في البرامج التلفزية ومشاركته الدولية والأسئلة التي طرحها كتابيا أو شفويا، تحدث عمر في هذه المجلة وكأنه يتكلم عن نفسه لرسام تاريخي أو كاتب سيرته... كانت هذه المجلة مرافعة سياسية بامتياز ، وانتخابية أكثر، وليس في هذا قدح فقد تكون الانتخابات هي الفوهة التي تدخل منها السياسة كما قد تكون هي طينة الاختبار والتي تكبر صورة المترشح بالوضوح المطلوب. ربما أدرك السيد عمر احجيرة أن عملا جبارا كان ينتظره في هذه المحطة، فهو ينافس حزب العدالة والتنمية ذا القاعدة الواسعة، وينافس حزب الجرار الذي أصبح وكيل لائحة هذا الحزب يخيف العديد من المنافسين نظرا لانحداره من مدينة وجدة، ولشعبيته التي راكمها خلال السنوات الأخيرة... لذلك كان سلاح عمر في هذه الاستحقاقات هو المنجزات أو لنقل بصيغة الأداء السياسي حصيلة عمر خلال الولاية التشريعية، فالحصيلة عنوان بارز في بداية المسار السياسي لشاب استقلالي، ورث عن أبيه رآسة البلدية كما المقعد بالبرلمان، لكنه تعلم أيضا من حياة والده أن السياسة لا تستقر على حال فتارة فوز وانتصار وتارة أخرى انحدار وهبوط، لذلك فهو حريص على المقاومة باستعمال الحجاج التواصلي المرتكز على ثلاثة محاور أساسية، إقناع المواطن الوجدي بالوقوف على مصالحه في البرلمان، والاعتماد على البرامج التلفزية من خلال مشاركة هذا الوجه السياسي والذي ربما تدخلت فيه قيادات عليا من الحزب، والارتكاز على النجاعة في مجال التدبير الجماعي. لقد استطاع عمر حجيرة أن يضع لشخصه مكانا داخل أغلب الاستقلاليين، كما نجح بفضل شعبيته وبساطته وتواصله أن يكسب ود الكثير من فئة الشباب ، وقد يخطئ من يظن أن لشخص ما هدف آخر غير الفوز في الحياة.