الأستاذة نعيمة جمال بنيس عضو المجلس العلمي المحلي بعمالة فاس متناولة بالدرس والتحليل موضوع “بيعة النساء والتأصيل لحقوقهن في الإسلام" انطلاقا من الحديث الذي رواه الإمام الترمذي قال “حدثنا قتيبة قال حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر سمع أميمة بنت رقيقة تقول : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فقال لنا : (فيما استطعتن وأطقتن) قلت : الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا...". ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد٬ يوم السبت بالقصر الملكي بالدار البيضاء٬ درسا دينيا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية التي تلقى بين يدي جلالته. وألقت درس اليوم٬ بين يدي جلالة الملك٬ الأستاذة نعيمة جمال بنيس٬ عضو المجلس العلمي المحلي بعمالة فاس٬ متناولة بالدرس والتحليل موضوع “بيعة النساء والتأصيل لحقوقهن في الإسلام"٬ انطلاقا من الحديث الذي رواه الإمام الترمذي قال “حدثنا قتيبة قال٬ حدثنا سفيان بن عيينة٬ عن محمد بن المنكدر٬ سمع أميمة بنت رقيقة تقول : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فقال لنا : (فيما استطعتن وأطقتن) قلت : الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا...". وبعد أن أشارت المحاضرة إلى أن المرأة كانت من أوائل المبايعين للرسول صلى الله عليه وسلم٬ فصلت محاضرتها من خلال أربعة محاور هي بيعة النساء٬ وأحكام البيعة٬ وطبيعة الحكم الناشئ عن البيعة٬ والتأصيل لحقوق النساء على أساس البيعة. فبخصوص المحور الأول٬ قالت المحاضرة إن المهاجرات بايعن بدينهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخذت البيعة على نساء الأنصار٬ وكانت هذه البيعة مناسبة لهن للقاء الرسول عليه السلام وسؤاله عما كان يشغلهن من قضايا أجاب عنها عليه السلام بصبر وسعة صدر٬ وسميت هذه البيعة “بيعة النساء" للاعتناء بأمرهن فيها٬ نظرا لأهمية دورهن في بناء المجتمع. وأكدت أنه بموجب هذه البيعة٬ التي دعي إليها النساء قبل الرجال٬ أصبحت المرأة ملتزمة في مشروع الدين الجديد٬ ويقابل هذا الالتزام بكيفية منطقية وموضوعية استحقاقهن لجميع الحقوق التي سينزل بها الوحي لصالحهن وهي حقوق تشكل ثورة لم تعرفها البشرية من قبل. وبينت المحاضرة أن هذه البيعة تمثل نموذجا للتعاقد الشامل دينيا وأخلاقيا وسياسيا واجتماعيا وهو أصل للحق في الالتزام مقابل الحصول على الحقوق٬ مما أعطى المرأة شخصيتها واستقلالها في أخذ القرار. وأوضحت٬ في هذا السياق٬ أنه بعد فتح مكة كان الرسول الكريم يأخذ البيعة من الرجال والنساء بصفته إماما قائما على حراسة الدين وسياسة الدنيا بعد أن توطدت أركان الدولة الإسلامية٬ مشيرة إلى أنه كان يذكر بهذه البيعة الرجال أيضا. وفي ما يتعلق بالمحور الثاني (أحكام البيعة)٬ أكدت الأستاذة نعيمة جمال بنيس أنه بانخراط النساء بهذا الالتزام إسوة بالرجال٬ وجب عليهن تحمل كل مقتضيات البيعة في تاريخ الإسلام باعتبارها عقدا بين طرفين سياسيين هما الإمام المبايع بعد رسول الله ومن أعطى له البيعة من النساء والرجال بشروطها. وذكرت أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انتقل ما كان للنبي من مهمة الإمامة الموجبة لصيانة الدين وتدبير العيش إلى خلفائه وتوالت هذه الإمامة في صورة إمارة المؤمنين. وقالت إن صاحب التراتيب الإدارية عرف إمارة المؤمنين بقوله “هي الرياسة العظمى والولاية العامة الجامعة القائمة على حراسة الدين والدنيا (..) وأمير المؤمنين هو الوالي الأعظم لا والي فوقه ولا يشاركه في هذا المقام غيره". وأكدت المحاضرة أن المسلمين أجمعوا على أن تنصيب أمير المؤمنين لا يتحقق إلا بالبيعة٬ مستدلة على ذلك بأن النصوص صريحة من الكتاب والسنة بأن طريقة تنصيب الخليفة هي البيعة٬ وقد فهم ذلك جميع الصحابة وساروا عليه. ومن ثم فإن عقد هذه البيعة٬ تقول المحاضرة٬ هو توجيه إلهي لمن سلك مسلك الإسلام وآمن برسالة خاتم الرسل٬ “فالبيعة عهد بشري٬ التوجيه فيه رباني٬ والتنفيذ فيه بشري٬ إنها في الدين أساسية٬ والنصوص على مشروعيتها متوافرة". وانتقلت الأستاذة بنيس٬ بعد ذلك٬ لتوضيح هذا الأمر٬ حيث أوردت بعض النصوص والآثار المبينة لحكم البيعة وعلو قدرها وسمو مقامها وحكمها الوجوب٬ مشيرة إلى أن الإمامين القرطبي والحطاب وغيرهما من المفسرين والمحدثين والفقهاء نصوا على أن البيعة تجب وجوبا عينيا على مكلف٬ رجلا كان أو امرأة٬ فمن لم يؤدها حتى مات كانت ميتته ميتة جاهلية. وذكرت أن من نعم الله على هذا البلد الأمين أن ظل وفيا لعهد البيعة منذ بيعته للمولى إدريس إلى بيعة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ مضيفة أن من بركات هذا الوفاء ما ينعم به المغرب من الاستقرار والأمن والأمان في هذا الزمن الذي عصفت الفتن فيه بكثير من الأوطان. وأوضحت المحاضرة أن البيعة الشرعية تثبت بالقول المفصح عن الآلتزام بالطاعة بمراسيم خاصة تختلف باختلاف المبايعين٬ وبفضل عهد هذه البيعة التي يتشبث به المغاربة بقيت سيادة المغرب مصانة ونموذج الحكم به متميزا على عهد الحماية الفرنسية لأن المغاربة لم يتنازلوا على عهد بيعتهم لبطل الاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس٬ طيب الله ثراه٬ وظلوا متشبثين بعهد بيعتهم وناضلوا من أجل عودة ملكهم٬ رجالا ونساء٬ وكان للنساء دور بارز في الدفاع عن استقلال الوطن والنضال من أجل عودة الملك الشرعي من منفاه إدراكا منهن لقدسية عهد البيعة. وقالت “لقد رعى المغاربة للبيعة الشرعية قداستها٬ وصانوا حرمتها على امتداد العصور٬ فهم بالمحافظة عليها يرعون واجبا من أقدس الواجبات وصونون مقدسا من أسمى المقدسات ...". وبعد أن بينت بعض أحكام الميثاق الذي التزم به النساء٬ انتقلت المحاضرة٬ بعد ذلك٬ إلى ذكر بعض ملامح مقتضياته المؤسسة للهداية والعدل واليسر٬ مما يدل على أن المبايعات أدركن من أول وهلة ما يحمل لهن هذا الدين الجديد٬ مبرزة أن بيعة النساء فرصة لإظهار هذه الميزة الكبرى للدعوة المحمدية المباركة٬ وقد تجاوبت معها النساء بأدب جم حيث قالت النائبة عنهن “الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا". وفي معرض حديثها عن التأصيل لحقوق النساء على أساس البيعة٬ ذكرت المحاضرة أن الباحث في التشريعات والأنظمة الاجتماعية قديما وحديثا لا يجد مكانة للمرأة أسمى من مكانة المرأة المسلمة٬ فالشريعة الإسلامية هي الشريعة التي وفرت للمرأة كرامتها وأقرت لها أهليتها في التمتع بالحقوق والقيام بالواجبات٬ وأقرت لها حقوقا شرعية كانت محرومة منها وصارت تتمتع بها هبة من الله عز وجل٬ ومنها الحقوق الإنسانية التي أقرتها لها الشريعة بصفتها إنسانا منذ ميلادها إلى انتهاء أجلها٬ وهي حق الحياة وحق المساواة وحق الكرامة. وأبرزت المحاضرة أن من مظاهر حقوق المرأة حريتها في القرار الشخصي٬ وفي إبداء الرأي٬ ذلك لأن الله عز وجل لما ساوى بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية والكرامة الآدمية٬ وأودع فيها العقل والبصيرة٬ والقدرة على اكتساب المعرفة والخبرة والتجربة٬ مكنها من إبداء الرأي٬ مستدلة في ذلك بكون الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب المثل الأعلى في احترام رأي النساء وكان يشجعهن على إبداء الرأي٬ ويستشيرهن في القضايا الهامة٬ مؤكدة أن المرأة تستطيع أن تثبت كفاءتها وجدارتها٬ وينزل الناس عند رأيها الذي يصدر عن عقل رشيد٬ ومنطق سديد وحجة بينة. وتطرقت الأستاذة بنيس٬ بعد ذلك٬ إلى حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية٬ فأشارت بالنسبة للأولى إلى أن الإسلام قرر للمرأة أهلية كاملة في التصرف في المال كسبا وإنفاقا٬ منذ خمسة عشر قرنا٬ في حين كانت بعض القوانين تجعل الأنوثة عارضا من عوارض الأهلية وعائقا من عوائقها٬ فمنحها الإسلام كامل الحرية في تدبير أموالها والتصرف فيها٬ في حين أن الحقوق الاجتماعية٬ تقول المحاضرة٬ كثيرة جدا منها حق التعليم والعمل والتوظيف وممارسة الأعمال الاجتماعية والمشاركة في الحياة العامة. وتوقفت المحاضرة٬ في تبيانها لهذه الحقوق٬ عند حق المرأة في العلم والمعرفة٬ باعتباره من الحقوق الأساسية التي كفلتها الدولة الإسلامية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجال والنساء على حد سواء٬ وأبرزت٬ في هذا الصدد٬ بأن الرسول الكريم حرص على تعليم النساء٬ وكانت المرأة في عهده حريصة على ممارسة هذا الحق٬ تحضر مجالس العلم وتأخذه عن الرجال والنساء. وبعد ذكرت بأن الفضل في عودة المرأة إلى ساحة العلم والمعرفة بالمغرب يرجع إلى جلالة المغفور له محمد الخامس٬ طيب الله ثراه٬ فهو الذي أعطى الانطلاقة لتعميم التعليم على البنات٬ وأسس لهن المعاهد والمدارس٬ أبرزت أن إشراك أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ حفظه الله٬ للمرأة في العمل بالمجالس العلمية فرصة لها لأداء هذه الأمانة والقيام بهذا الواجب على النحو الذي يرضي الله تعالى ويحقق حسن ظن أمير المؤمنين بها. وخلصت الأستاذة نعيمة جمال بنيس٬ في ختام هذا الدرس٬ إلى أن بيعة النساء بالتخصيص٬ إلى جانب بيعة الرجال٬ دون أن ينوب الذكور عن الإناث في الالتزام٬ تعتبر واقعة عظيمة في ميزان تاريخ البشرية٬ لأن نصف البشرية وهو النساء قد عومل على أساس شخصيته الكاملة في المشاركة السياسية لأول مرة في التاريخ٬ مستغربة ألا يقف عند هذه الواقعة من يتكلمون عن المرأة في الإسلام ويتشككون في رتبتها وحقوقها السياسية والاجتماعية ويذهبون إلى أن المرأة إن كانت ستعطى لها حقوق٬ فمن نتائج ما حصلته النساء من الحقوق في هذا العصر الحديث في حضارات غير حضارة الإسلام. وفي ختام هذا الدرس تقدم للسلام على أمير المؤمنين٬ إلى جانب المحاضرة٬ كل من الأستاذ الطاهر التجكاني رئيس المجلس العلمي المغربي لأوروبا ببلجيكا٬ والأستاذ علي السيد عبد الرحمان الهاشمي مستشار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في الشؤون القضائية والدينية٬ والشيخ الحاج تييرنو هادي تال نائب خليفة الطريقة التجانية ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى ببماكو بمالي٬ والشيخ محمد المختار ولد اباه من علماء موريتانيا٬ والأستاذ منير القادري بودشيش رئيس المجمع الأوروبي المستقل للمالية الإسلامية بفرنسا٬ والأستاذ أبو بكر دوكوري عضو مجلس الرئاسة لاتحاد مسلمي بوركينافاصو. إثر ذلك٬ قدم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد لتوفيق لأمير المؤمنين نسخة من الإصدارات التي اعتادت الوزارة أن تقوم في كل عام بنشرها تنفيذا لتعليمات أمير المؤمنين أعزه الله. ويتعلق الأمر ب"إبراز الضمير من أسرار التصدير" لمحمد بن عبد السلام الفاسي (ت 1214 ه) دراسة وتحقيق الأستاذ بوشتا أزاييط٬ و"مجلي الآماق وإثمد الأحداق في شرح تائية الحراق" لمحمد المهدي بن القاضي (ت 1271 ه) دراسة وتحقيق الأستاذة حنان الفاضلي٬ و"الفتاوى الشاملة والأجوبة الكاملة في مسائل تتعلق بالعاجلة والآجلة" لأبي عبد الله محمد بن عبد السلام الطاهري جمع وترتيب الأستاذ أحمد مجدوبي٬ و"محمد بن مسعود المعدري البونعماني (ت 1330 ه) حياته وآثاره العلمية" دراسة وتحقيق الأستاذ إحيا الطالبي٬ و"قواعد التفسير عند مفسري الغرب الإسلامي خلال القرن السادس الهجري" تأليف الأستاذ مسعود الركيتي٬ و"قواعد في اكتساب المال وإنفاقه في القرآن الكريم من خلال التفاسير الفقهية المالكية في الغرب الإسلامي من القرن السادس إلى القرن الثامن الهجري" من تأليف الأستاذ داود الخمار٬ و"تاريخ مراكش من التأسيس إلى الحماية (1912 م)" لمؤلفه غستون دوفردان ترجمة الأستاذين محمد الزكراوي وخالد المعزوزي. كما قدم السيد محمد ابن شقرون٬ أستاذ سابق بكلية الآداب بالرباط٬ لأمير المؤمنين مؤلفه بعنوان “القرآن الكريم٬ تفسير وترجمة معانيه إلى اللغة الفرنسية" في ثلاثة أجزاء.