استأنف الوكيل العام للملك باستئنافية البيضاء، أخيرا، قرار قاضي التحقيق بالمحكمة ذاتها إحالة ليبيين وأربعة مغاربة متهمين بتهريب المخدرات على الصعيد الدولي على المحكمة الابتدائية الزجرية. وأصدر قاضي التحقيق بالغرفة الرابعة أمرا قضائيا بإحالة أفراد الشبكة على المحكمة الابتدائية، ومتابعتهم من أجل الاتجار الدولي في المخدرات. وجاء استئناف النيابة العامة بناء على خطورة نشاط الشبكة وعلاقاتها الدولية مع كبار المهربين، سواء في المغرب أو الخارج، لكن قاضي التحقيق أشار إلى غياب أدلة كافية في مواجهة المتهمين من أجل ارتكابهم جناية تكوين عصابة إجرامية. وكشفت التحقيقات تورط عشرات الأجانب بالجزائر وليبيا ومصر في عمليات التهريب التي درت مداخيل قدرت بالملايير، كما أن أفراد الشبكة اتفقوا، منذ سنوات، على اقتناء المخدرات من المغرب، بعد استقرار زعيمهم الليبي بالمحمدية، واستقطابه بعض المهربين إلى شبكته، وتوزيع الأدوار في ما بينهم بدقة، إذ كان بعضهم يتكلف بنقلها إلى مناطق في المغرب، مثل تندرارة والريصاني، ويتولى آخرون شحنها إلى منطقة «المنكوب» بالجزائر، فيما يتكلف فريق ثالث بتهريبها إلى منطقة «تزاربو» بليبيا، على أن يقوم مهربون آخرون بترويجها في مصر، مع توزيع عائداتها المالية بالعملة الأجنبية. وأكدت التحقيقات أن زعيم الشبكة له سوابق عديدة في الاتجار في المخدرات بليبيا، إذ سبق إيقافه هناك وأدين أكثر من مرة، قبل فراره من السجن، مفضلا اللجوء إلى المغرب من أجل التزود بالمخدرات وتهريبها، مستعينا بمهربين مغاربة، إضافة إلى أنه دخل المغرب بجواز سفر مزور من أجل التمويه على أنشطته، وعقد اجتماعات عديدة مع تجار المخدرات في فيلا بالمحمدية اتفقوا خلالها على تهريب الحشيش إلى مصر مرورا بالجزائر وليبيا. وبينت التحريات وجود علاقات متشعبة لأفراد الشبكة في عدد من دول المغرب العربي، مستغلين تنظيمها المحكم وعلاقاتها لتهريب الأموال بمساعدة بعض الصيارفة الذين كانوا يسلمون المتهم مبالغ مالية بالدرهم في البيضاء مباشرة بعد وصول البضاعة إلى ليبيا. وابتدأت أولى عمليات التهريب سنة 2002، وشملت تهريب 300 كيلوغرام من الشيرا مقابل 300 أورو للكيلوغرام، إذ كان يتسلمها أحد الجزائريين ويعيد شحنها إلى مدينة الزاوية بليبيا. ثم توالت العمليات بعد نجاح خطة «الزعيم» الذي تمكن من استقطاب عدد من المهربين إلى شبكته، إذ نفذ خلال السنة نفسها حوالي 5 عمليات همت تهريب 300 كيلوغرام من الحشيش في كل واحدة منها، بالمقابل كان يتقاضى مبالغ مالية من أحد الصيارفة بالمدينة القديمة بالبيضاء. من جهة أخرى، كشفت التحريات أن زعيم الشبكة الليبي، فكر منذ سنة 2003 في تهريب الحشيش إلى مصر، فسافر إلى هناك لمدة شهرين من أجل الاتصال بمهربين جدد والبحث عن مسارات متنوعة، مشيرة إلى أن نشاط شبكته بمصر انطلق سنة 2008، بعدما هرب في عمليته الأولى حوالي طن من المخدرات، تكلف أفراد الشبكة بنقلها إلى منطقة «تزاربو» بليبيا، ثم أعيد شحنها إلى مصر بثمن وصل إلى 600 أورو للكيلوغرام. يشار إلى أن عدد العمليات الموجهة إلى مصر بلغ حوالي خمس، كان أفراد الشبكة يهربون في كل واحدة منها حوالي طن من المخدرات، ونجح بارون المخدرات في الحصول خلال سنة واحدة (2008) على ربح مالي قدره 550 مليون سنتيم، في حين واصل عملياته خلال 2009، بعدما اتفق مع شركاء مصريين جدد على «إغراق» الجمهورية بالحشيش، وعمد إلى خلق مسارات جديدة للتهريب بدافع خفض تكاليف النقل والحصول على عائدات مالية أكبر. وكانت قد كشفت مصادر مطلعة في شهر مارس المنصرم أن استنفارا أمنيا يجري بمختلف المدن لإيقاف متهمين يحملون جنسيات مغربية وليبية وجزائرية ومصرية، ينتمون إلى مافيا دولية تهرب المخدرات انطلاقا من منطقة الريصاني مرورا بالحدود الجزائرية المالية النيجيرية ثم الحدود الجزائرية التشادية وصولا إلى منطقة ترازبو الليبية لتباع هناك أو تهرب إلى مصر، وكان بعض عناصرها موضوع عمليات إطلاق نار وحجز أسلحة نارية في الشريط الحدودي الشرقي. وعلم أن الوكيل العام لدى استئنافية البيضاء أحال، مجموعة أولى تم إيقافها أخيرا بالمحمدية، وتضم أربعة أشخاص (ليبيان ومغربيان) على قاضي التحقيق بالغرفة الرابعة، ملتمسا إجراء تحقيق معهم بعد متابعتهم بتهم تكوين عصابة إجرامية متخصصة في التهريب الدولي للمخدرات والتزوير واستعماله ومخالفة مقتضيات قانون الصرف والأحكام المتعلقة بالتصريح بالعملات الأجنبية والضوابط القانونية الخاصة بإدارة الجمارك. وكشفت مصادر مطلعة ل «الصباح» أن الشبكة نفذت عشرات عمليات تهريب المخدرات، انطلاقا من الحدود المغربية الجزائرية. وقالت المصادر ذاتها إن زعيم العصابة اعترف بتنفيذ عشرات عمليات التهريب من سنة 2007 إلى يوم اعتقاله في بداية مارس الجاري، وأنه ربح من وراء ذلك أزيد من 20 مليار سنتيم، وزعها على أفراد الشبكة، الذين كان بعضهم مكلفا بتزوير الوثائق التي كانوا يتحركون بواسطتها، وآخرون يهربون المخدرات عبر الحدود سالفة الذكر وفئة ثالثة تبيعها بليبيا ومصر. وكشف المتهم، خلال التحقيق معه، الطريقة التي كانت تصل بها الأموال المتحصلة من عملية التهريب إلى المغرب، إذ أكد أن بعض المتعاطين لصرف العملة بالمغرب كانوا يسلمون المبالغ المالية إلى بعض المشاركين في عملية التهريب بتنسيق مع صرافين بليبيا ومصر، على أن يعمل هؤلاء على تحويلها إلى الدولار وبعثها إلى مدينة دبي الإماراتية، ثم يبعث جزء منها إلى المغرب ويبقى الجزء الأكبر هناك. واعترف الصراف المغربي، الذي تبين أنه لا يتوفر على رخصة، بتنفيذ سبع عمليات تحويل عملة بتنسيق مع أحد أفراد الشبكة خلال سنة 2010، بلغت حوالي أربعة ملايير، وثماني عمليات خلال سنة 2011 بمجموع أربعة ملايير كذلك، بالإضافة إلى ثماني عمليات أخرى خلال سنة 2012 بمجموع مليار، كما اعترف بتنفيذ مجموعة من العمليات ما بين 2011 و2012 مع شخص آخر ينتمي إلى العصابة نفسها بمجموع مالي بلغ سبعة ملايير، بالإضافة إلى عمليات أخرى، ليصل مجموع المبالغ التي اعترف بالتصرف فيها حوالي 20 مليار سنتيم. وقال أحد أفراد الشبكة إنه تمكن في إحدى العمليات من تهريب مبالغ مالية عبر مطار محمد الخامس الدولي، قبل أن يهتدي إلى تحويلها إلى مدينة دبي عبر صرافين ليبيين ومصريين.