عمدت بعض الأوساط « الإعلامية « إلى إدارة السجال حول دفاتر تحملات القطب الإعلام العمومي بعقلية الخلط والتضليل. تضليل استهدف أساسا جانب اللغة والبرامج الدينية، أي لغة خطاب الإعلام العمومي للمواطن المغربي. وثانيا بند إلغاء إشهار ألعاب الرهان والحظ واليناصيب، ثم ثالثا مدى قانونية دفاتر التحملات. بل إن تلك الأوساط «ذات امتدادات اقتصادية وثقافية ايديولوجية» سعت إلى التخويف من المقتضيات الواردة في دفاتر التحملات الجديدة، بدعوى الإتجاه نحو أسلمة الإعلام العمومي، ونتوقف عند ثلاث مغالطات . أولا، بالنسبة لمدى قانونية دفاتر التحملات، يمكن التأكيد على أن المقاربة التشاركية المعتمدة في الإعداد ومصادقة الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري على تلك الدفاتر استندت للفصل 49 من القانون رقم 03-77 المتعلق بالإتصال السمعي والبصري. فصل جاء فيه «تقوم الحكومة بإعداد دفاتر التحملات وتصادق عليها الهيئة العليا للإتصال السمعي البصري». لذلك فاحتجاجات البعض بخصوص مسالك إقرار دفاتر التحملات مردود عليهم. بل الأدهى من ذلك أن الأمر يكشف عن الأفق الضيق في الإحتكام للمنطق الديمقراطي لدى بعض النخب، خاصة عندما تسفر المقاربة التشاركية المنفتحة على المجتمع المدني عن قرارات مخالفة لتصوراتهم الضيقة. نقطة التضليل الأخرى التي سعت بعض النخب «الفرنكفونية» إلى ترويجها بنظرة اختزالية، هو حديثهم عن التعريب الممنهج للقطب الإعلامي العمومي. في هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن ما حكم الرؤية زمن الإشتغال على إعداد دفاتر التحملات الجديدة هو تدبير المعطى اللغوي في الإعلام العمومي وفق منطوق الفصل الخامس من الدستور، ثم إن قراءة المعطى اللغوي ونسب حضور كل لغة يجب أن تستحضر فيه قراءة الخريطة الهندسية بشكل إجمالي، وليس المقاربة التجزيئية. ما قيل حول تعريب القناة الثانية فيه الكثير من المغالطات، وخاصة إذا قارنا ذلك مع دفتر التحملات المعمول به سابقا. والجديد هو التنصيص على إدراج النشرة الإخبارية الرئيسية وقت الذروة بلغة عربية يفهمها كل المغاربة، فلماذا التخويف ولمصلحة من؟ خاصة أن قراءة خريطة لغة البث المعتمدة في دفاتر التحملات الجديدة استحضرت عناصر التكامل والتوازن والإنفتاح. النقطة الثالثة في التضليل هو تضايق البعض من إدراج الآذان ضمن الشبكة البرامجية للقناة الثانية، بل هناك من شحذ أسلحة «ثقيلة» للتخويف من ما سماه البعض أسلمة التلفزة، وهنا لابد من التذكير بكون وظيفة القطب العمومي في كل دول العالم يتجلى في تقديم الخدمة العمومية، من خلال التناغم مع هوية وقيم المتلقي باعتباره ممول ذلك المرفق. الخلاصة أن حضور الآذان وتعزيز اللغة العربية، ماهو إلا استعادة القطب الإعلامي العمومي المغربي لدوره الطبيعي، أي أن الأمر لا يعدو أن يكون تصحيحا لمسار خاطئ سمته الحيف المستمر منذ عقود في علاقة المغاربة بإعلامهم. لنتساءل أخيرا: أليس من حق المغاربة أن يسمعوا الآذان في إعلامهم العمومي؟ ثم لماذا تريد بعض الأوساط «المؤدلجة» أن تقف في وجه هذا المسعى لإصلاح وضع الإعلام ببلادنا في اتجاه يكرس التنافسية والجودة؟