يبدو من خلال خلاصات اليوم الدراسي الذي نظمته وزارة الاتصال في العاشر من مارس الفارط، الذي عرف حضور مايناهز 250 موقعا إلكترونيا و500 مشارك أن محاور النقاش تركزت أساسا حول الجانب التنظيمي والقانوني لمهنة الصحافي الإلكتروني فيما غاب السؤال (أو الأسئلة) ألا وهو : من هو الصحافي الإلكتروني؟ وما الذي يميز الصحافي الإلكتروني عن المدون؟ وما الذي يميزه على مستوى مصداقية المعلومة الصادرة عنه من نفس المعلومة الصادرة عن مدونة أو منتدى أو فيسبوك أو تويتر..إلخ؟ وفي خضم هذا التدفق اليومي المتلاطم من المعلومات في شيوعها، كما في مدها وزجرها من أقسام التحرير في المؤسسات الإعلامية إلى القراء، ومن هؤلاء كمدونين و(صحفيي) أنترنيت إلى درجة يستعصي علينا في كثير من الأحايين تحديد من يملك حق المعلومة ومن هو السند المرجعي الحقيقي لها. في هذا الخضم ألا يمكن القول إن عصر الصحافي في وضعه الاعتباري التقليدي كما رسخته الصحافة الورقية قد انتهى، وأننا قد صرنا جميعا مواطنين (صحافيين) بقوة تفاعلنا اليومي مع الإنترنيت ومساهمين في ترويج وإذاعة معلومات على اختلاف مصادرها الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية أو الجمعوية باعتبارها جميعا رأسمال المقاولة الصحفية بشكل عام قبل عرضها على مصفات المصداقية والأمانة والوازع الأخلاقي ... ويصنف بعض الباحثين أنواع الصحافة الالكترونية إلى ثلاثة أنواع هي: 1 صحافة المواقع الإخبارية، وهي مواقع الكترونية تهتم بنشر أخبار وتحليلات وتحقيقات أنجزها صحفيون حصريا للنشر على النيت. 2 صحافة المواقع التابعة لمؤسسات تقليدية كالصحف وبعض القنوات الفضائية، وهي تعد نسخا الكترونية للصحف المطبوعة وتحتوي على معظم ما ينشر على صفحات تلك الصحف. وقد جرت العادة ألا يتم تحديثها إلا في نهاية كل يوم بعد نفاد النسخ الورقية من أماكن البيع، وهي في الغالب لايعمل بتحيينها صحفيون وإنما أخصائيو البرمجيات، الذين ينسخون ما في الصحف الورقية وينزلونها في تبويبات الموقع الالكتروني حرفا بحرف. وهناك بعض الفضائيات التي عمدت إلى تنزيل مساحات رقمية تفاعلية للزوار والرواد مثل قناتي «الجزيرة» و«العربية» وغيرهما من أجل إبداء الآراء أو الرد على بعض الأخبار والتحليلات. 3 صحافة إلكترونية قائمة بذاتها وليس لها نسخة ورقية أصلية، وهي غالبا ما يسهر على إدارتها صحفي واحد وتتعدد بها الإدراجات في جميع مجالات العلوم الإنسانية من ثقافة وسياسة وفن ..إلخ. ومهما تعددت هذه الأصناف والتعريفات حول تحديد مهنة الصحافة والصحافي الإلكترونيين فمما لاشك فيه أن هناك حدا أدنى من الأقانيم والقواعد والمعايير العالمية التي توافقت عليها جل القوانين الدولية لتحديد المنشأة الصحفية الإلكترونية التي ينتمي إليها الصحافي الإلكتروني ومنها : 1 وجود موقع أو مجلة إلكترونية تحمل عنوانا نطاقيا حصريا، بامتداد مهني وسهل التداول في مختلف محركات البحث الشهيرة. 2 وجود هيئة للتحرير بمهام محددة لأعضائها. 3 وجود مراسلين معتمدين أو متعاونين. 4 التحيين على مدار الساعة كلما وردت الأخبار أو المقالات أو الصور أو الفيديوهات أو الملفات الصوتية. 5 الأرشفة المثبتة على رابط قائمة خاصة. 6 نسبة المواد الواردة حصريا على الموقع يجب أن تفوق 80 بالمائة مقارنة بنسبة المواد المقتبسة باتفاق مبدئي مع المصدر. 7 وجود عداد وهو(أداة) رقمية تحصي عن طريق المتوالية العددية عدد الزوار الذين تدفقوا على الموقع في كل لحظة. هذه في تصورنا الخاص هي القواعد الأساسية التي يمكن أن ينهض عليها أي مشروع منشأة صحافية إلكترونية (قائمة بذاتها)، والتي من دون شك ستمتع الصحافي المشتغل بها بصفته صحافيا إلكترونيا عليه حقوق وواجبات، والذي يجب أن تتحدد مهامه بها من خلال أعمال بحثه وتحققه من المعلومات والمعطيات والتحاليل العميقة والرصينة للمقالات..إلخ وبصفة عامة على الصحافي الإلكتروني أن يمتثل للخط التحريري واستراتيجية الموقع الإعلامية ويقدس الأخبار التي ينشرها ويترك التعليقات الحرة للقراء. كما يجب عليه دعمها باستثمار كل إمكانيات الميلتميديا المتوفرة من روابط تشعبية وصور رقمية متحركة وفيديوهات وفلاشات...إلخ. إن على الصحافي الإلكتروني أن يتحلى بالمسؤولية في اختيار المواضيع التي يقترحها كما يجب عليه أن يسهم من جانبه في تطوير الموقع، حيث إن مهمته يجب ألا تنحصر فقط على النشر وتحيين الفقرات، وإنما عليه أن يحقق قدرا مقبولا من المواكبة اليومية لإضفاء دينامية على إنتاجاته المنشورة ... ولتحقيق ذلك من الضرورة تحيين المواد واختيار المواضيع التي تحفز القراء على التفاعل معها دون أن نغفل كذلك قبل كل شيء دور المصداقية والأمانة والضوابط الأخلاقية التي تعطي للموقع وزنا وحضورا محترما، حيث إن نشر خبر خاطئ أو معلومة مغلوطة أو تغليطية أو ناقصة سوف تنزع من دون شك من صورة الموقع قيمته الإعلامية ودوره البارز في محيط المشهد الإعلامي الإلكتروني بصفة عامة. وأخيرا للرقي بالوضع الاعتباري للصحافي الإلكتروني يجب عليه أن يدرك أنه بقدر ما يمنحه النشر الإلكتروني من إغراءات الحرية والانتشار الكوني ما لا حدود له، فإنه من جانب آخر عليه أن يتقيد بالمعايير الأخلاقية العالمية الأساسية، وأن يدرك أنه لم يعد لوضعه الاعتباري امتداد على المستوى المحلي فحسب، وإنما بات يمارس مهنته كصحافي إلكتروني في قرية صغيرة اسمها كوكب الأرض، وأن الحدود الجيو سياسية التقليدية لم تعد لها أسلاك وألغام وحرس على أبراج مراقبة وجمارك، وأن الانتماء أصبح للعالم في ظل محلية بخصوصية مفتوحة على سماوات الرقمية، شئنا ذلك أم أبينا.