إهمال واضح للمرضى بمستشفى الفارابي بوجدة جولة خاطفة بمستشفى الفارابي بوجدة تبين للزائر مدى حجم المعاناة التي يكابدها الوافدون عليه من أبناء الطبقات الشعبية الذين لا تسمح لهم وضعيتهم المادية اللجوء إلى تلقي الخدمات الصحية بالمصحات الخاصة التي تكون خدماتها نسبيا جيدة، مقارنة مع القطاع العمومي خصوصا بمدينة تنتصب في هامش الهامش. تتعدد معاناة الوافدين على المستشفى مع تعدد المناطق التي يتحدرون منها، إلا أنهم يتقاطعون في شيء واحد هو الحرمان من العناية الصحية. فهل أطباء وممرضو مستشفى الفارابي يرعون الوافدين على المستشفى أم ينطبق عليهم قول: «الطب مهنة تجارية... الإنسان لا قيمة له، الربح هو الأساس». من خلال ما يحكيه المواطنون المتوافدون على مستشفى الفارابي فمعاناة المرضى مع التطبيب تتعدد منها البنيوية ومنها ما يتعرضون له من طرف الممرضين من ابتزاز ومساومات، إذ يتم إهمال المريض من أجل دفعه إلى أن «يفهم راسو» ويعمل بالمثل المغربي «ادهن السير اسير». إجماع حاصل من طرف الوافدين على مستشفى الفارابي بوجدة، على أن الخدمات الطبية المقدمة للمرضى ليست في المستوى المطلوب. يقول «محمد» البالغ من العمر حوالي 35 سنة «أهنا حتى واحد ما يديها فيك «إنه تعبير بليغ ولو بإيجاز عن محنة مرضى المستشفى، وجواب بالدارجة يحمل في طياته معاني واضحة فيما يخص الإهمال واللامبالاة التي يعانونها إذ يظل المواطن البسيط كرة يتقاذفها أصحاب الوزرات البيضاء. الانطباع عن مدى الخدمات المقدمة للمرضى يستشفها الزائر من خلال الأجساد المنهكة والوجوه الشاحبة التي تقف أمام الباب الرئيسي للمستشفى تستعطف أفراد الأمن الخاصين التابعين للشركة التي تعاقدت معها إدارة المستشفى، بأن يسمح لها بولوج المؤسسة الصحية، إلا أن رجال الأمن الخاصين يسدون الباب الرئيسي في وجه الواقفين أمامه محددين لهم وقت الولوج إلى المستشفى غير مبالين، علما أن من بين الراغبين في الولوج إلى المستشفى مرضى في حاجة ماسة إلى تلقي العلاج أو من له قريب طريح الفراش في حاجة إلى الدواء الذي من الممكن أن يكون الأمر حاسما في حياته أو موته. وبمجرد أن يدلف المرء من الباب الرئيسي للمستشفى يكون وجها لوجه أمام قسم المستعجلات حيث الحركة والصراخ والأنين وأجساد منهكة متكئة على حائط قسم المستعجلات، وملامح الإرهاق وقلة الحاجة بادية عليهم، ما يوضح أن الفئة المجتمعية التي تقصد المستشفيات العمومية غالبا ما تكون من الفئات الفقيرة وذات الدخل المحدود .. يعاني المرضى عدة مشاكل أفرزتها دواعي موضوعية كانعدام التجهيزات الضرورية وأخرى ينعدم فيها الوازع الأخلاقي والمهني حيث تصبح الرشوة والزبونية والمحسوبية هي المتحكمة في أغلبية الأطر الطبية بمستشفى الفارابي. الساعة تشير إلى العاشرة صباحا. الزحام وتكدس الأجساد في انتظار تلقي العلاج يملأ المكان، وأصحاب الوزرات البيضاء في حركة دائبة من مكتب إلى آخر، دون أن يتخلصوا من بعض القهقهات والمشي في كل الاتجاهات، وكان الأمر يتعلق بالبحث عن شيء مفقود قد يكون هو حق المواطن ونصيبه في العلاج . امرأة طاعنة في السن تتكئ على عكاز خشبي، وظهرها اتخذ شكل قوس تدخل من باب مصلحة المستعجلات ونظرات المرضى تتابعها .. تدنو من أحد الأطباء وتحكي له عما يؤلمها. وقبل أن تكمل حديثها ينصرف الطبيب إلى حال سبيله، دون أن يقدم أي إرشاد أو توجيه لها فلم تجد أمامها سوى الانتظار مفترشة الأرض، بعد أن كانت الكراسي المخصصة للانتظار مملوءة عن آخرها بأجساد متهالكة بادية عليها ملامح البؤس و قلة الحاجة . «واش احنا المساكين منداووش، واش انموتو هاكك وحتى واحد ما يديها فينا» بهذه العبارة كان يصرخ أحد المرضى بالجناح المخصص لقسم الولادة والدموع تنهمر من عينيه، بعدما تم إهمال زوجته الحامل وتركها لوحدها تواجه المجهول. ورغم كل الصراخ الذي يعبر عنه المواطن المغلوب على أمره فإن مجموعة من الممرضين والممرضات والأطباء بوزرات بيضاء يقهقهون دون مبالاة بالمرضى.