يكاد يكون المثقف الفرنسي الوحيد الذي ينزل إلى الميدان محملا برؤاه وتصوراته. ذ.بوعلام غبشي يصفه خصومه بفيلسوف الحرب، فهو لا يمارس الفعل الفلسفي في المكاتب الباريسية المكيفة، بل يكاد يكون المثقف الفرنسي الوحيد الذي ينزل إلى الميدان، محملا برؤاه وتصوراته محاولا تطبيقها على أرض الواقع. برنار هنري ليفي، يعد من المدافعين عن "حق التدخل" العسكري في دول أخرى لوضع حد لتجاوزات نظام معين، شأنه في ذلك شأن رئيس الدبلوماسية الفرنسية السابق برنار كوشنير، كما أنه معروف بمواقفه المتحيزة لتل أبيب، حتى أن مراقبين يلقبونه بسفير إسرائيل المتجول. كتابه "الحرب دون أن نحبها"، عكس بجلاء الدور الكبير الذي كان له في دفع "الإليزي" للانخراط في حرب ضد نظام القذافي البائد، وهو يستعرض ذلك على طول صفحاته بنوع من النرجسية التي تعود عليها، مسجلا، في سابقة من نوعها، تجاوز الجسم الدبلوماسي الفرنسي من طرف مثقف فرنسي في عملية حرب كانت تجهل عواقبها قبل شهور قليلة.قدم الكاتب روايته حول دوره في دخول باريس في حرب أدت إلى التخلص من نظام القذافي. دور فسره البعض أنه ضيق على عمل الدبلوماسية الفرنسية ما أدى إلى تكون علاقة غير ودية بينه وبين سيد "الكي دورسي" أو مقر الخارجية الفرنسية. لم يقف الفيلسوف الفرنسي عند التطاول على مهام وزير خارجية بلاده ألان جوبي، بل إنه وجه له اتهامات مفسرا اختياره هذا، بأن رئيس الدبلوماسية الفرنسية له "سوابق في خلافات دولية انتهت بكوارث إنسانية وبالتحديد في البوسنة ورواندا"،على حد تعبيره. ومن المعروف أن صاحب كتاب "الحرب دون أن نحبها" له انتماء سياسي يساري، إلا أنه مع ذلك تحرك للاتصال شخصيا بساركوزي، كما يتحدث في الكتاب نفسه، رغم أنه لم تكن تجمعهما أي علاقة. مكالمة هاتفية وحيدة من طرفه ل"الإليزي"، كانت كافية لقبول ساركوزي بالاعتراف الرسمي بالمجلس الانتقالي الليبي. هل هي ثقة الأول في هذا المثقف؟ أم كانت محاولة منه لاستمالته نحو صفه السياسي؟ أم كانت بالنسبة إلى باريس رهانا على دعم حقيقي للربيع العربي، بعد هفوة تونس؟ف"الإليزي" لم يعط لنفسه حتى الوقت الكافي للاطلاع على تشكيلة المجلس الوطني الانتقالي الليبي، والتدقيق في أسماء الشخصيات المكونة له وانتماءاتها السياسية. لقد قبل العرض دون تردد وبسرعة قياسية وإن كان ذلك تجاوزا لاختصاصات دبلوماسيته. مراقبون التقطوا الكتاب كوثيقة "ويكيلكسية"، جمعت معطيات، لم يكن بإمكان الرأي العام الاطلاع عليها، لو لم يتعمد صاحبها الكشف عنها شخصيا من خلال هذا العمل. النقاد يضعون كتاب "الحرب دون أن نحبها" في خانة "الشهادة"، إلا أنها تبقى في الأخير تعكس رواية كاتبها لوحده، والذي لا يلقى اليوم كل الترحيب من كافة أطياف المعارضة السورية، عكس ما حظي به من قبل نظيرتها الليبية.