قراءة في العوامل الكامنة وراء الفوز الساحق لحزب العدالة والتنمية: الاستقرار،تلميع صورة المغرب وإسقاط فزاعة الحزب الإسلامي قد يبدو فوز حزب العدالة والتنمية في الظرفية الراهنة غير مفاجئ وإن لم يكن منتظرا بهذا العدد، فهو الحزب الذي ظل في المعارضة لمدة 14 سنة، وكان من المتوقع فوزه قبل هذه الاستحقاقات بدليل حصوله على اكبر عدد من الأصوات في استحقاقات 2007 وإن كان قد حل ثانيا من حيث عدد المقاعد المحصل عليها. لكن لماذا هذا الفوز الساحق للحزب الإسلامي المعتدل في هذا الربيع العربي؟ المؤكد أن حزب العدالة والتنمية استفاد من نبض الشارع المغربي والحراك السياسي الذي يعرفه العالم العربي، واستفاد بقدر كبير من معاداة حزب الأصالة والمعاصرة الذي حاول عزله بكل الطرق المتاحة وأعلن عداءه الصريح له، كما أن فشل الحكومات السابقة في امتصاص غضب الشارع ومطالبه الاجتماعية جعل حزب العدالة والتنمية يظهر بمظهر خرطوشة النجاة التي لم تطلق قط ولم تجرب تسيير الحكم. ويعزى تصدر حزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية الأخيرة لعوامل أخرى تحكمت فيها الظرفية الراهنة المتسمة بالحراك العربي والأزمة العالمية، وتغير مقاربة الدولة التي تحولت من قمع وسجن المعارضين إلى كبح جماحهم بمنحهم التسيير على مستوى الجهاز التنفيذي، من هنا قد يكون فوز العدالة والتنمية في أولى الاستحقاقات بعد الدستور الجديد مرده إلى ثلاثة عوامل تكمن في ضمان الاستقرار، وتلميع صورة المغرب، وإسقاط فزاعة الإسلاميين. العامل الأول يهدف إلى إضفاء المشروعية على التصويت الإيجابي المكثف على الدستور، ومنح المغرب فرصة الاستقرار لتكريس ما بات يعرف بالاستثناء العربي الذي فضل ركوب التغيير بالتحولات السلمية والإصلاحات الاستباقية، في ظل ثلاثة نماذج حركت الشارع العربي، نموذج دموي كما حدث في ليبيا ويحدث في سوريا واليمن، ونموذج فوضوي كما هو الشأن في تونس ومصر ونموذج سلمي يشكل الاستثناء المغربي، وبالتالي فوز المعارضة التي اكتسحت المشهد السياسي المغربي كان بلسما يواجه حركة 20 فبراير وجماعة العدل والإحسان التي كانت تراهن على مقاطعة كبيرة للاستحقاقات وكانت أيضا تفكر في توريط المغرب بانتظار نجاح العدالة والتنمية وعدم تطبيق مقتضيات الفصل 47 من الدستور التي تقضي بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات التشريعية، وهو ما لم يكن لها على الأقل على المدى القريب. لهذا فوز العدالة والتنمية أبعد نظرية تزوير الانتخابات لمحاربة ما كان يحلو للبعض تسميته بالبعبع الإسلامي. الخدمة الثانية التي سوف يقدمها فوز العدالة والتنمية للمغرب، هي تلميع صورته بالخارج، ولعل التهاني والإشادات التي وردت في هذا الصدد تؤكد انتصار المغرب في تلميع صورته خارجيا، وتأكيد نجاح الاستثناء العربي في المغرب. ولعل حضور مراقبين دوليين في الانتخابات والإجماع على شفافيتها ونزاهتها يؤكد وصول المغرب لتحقيق هذا الهدف المتوخى بالاعتراف الدولي الكبير بنجاح التجربة المغربية. النقطة الثالثة التي كانت وراء نجاح العدالة والتنمية هي إسقاط فزاعة الإسلاميين وتوريطهم في التسيير، حيث أن تخويف الغرب من الإسلاميين وفزاعتهم سقط في ظل الحراك الذي خلقه الربيع العربي بعد وصول الإسلاميين في تونس ثم المغرب وبعدها مصر. من هنا سوف يراقب الشارع المغربي حكومة العدالة والتنمية ومدى تمكنها من تجاوز المرحلة الدقيقة التي يمر منها المغرب، خصوصا وأن طيور الأحزاب على أشكالها وقعت في تسيير دواليب الحكومات المنصرمة، وبالتالي قد ينقلب السحر على الساحر إذا ما فشلت حكومة بنكيران في تجربتها، وتضيع آخر خرطوشة في صفوف الأحزاب خصوصا إذا ما لم يخرج الاتحاد الاشتراكي للمعارضة لضخ دم جديد وتلميع موقفه في المعارضة. يبقى السؤال المحير هو كيف فازت العدالة والتنمية بكل هذه المقاعد وإن كان فوزها منتظرا ولكن ليس بهذا الحجم، فهناك احتمالان، الأول هو دخول جماعة العدل والإحسان على الخط بمنح أعضائها صلاحية اتخاذ موقف المقاطعة أو التصويت لصالح العدالة والتنمية، والثاني هو ظهور فئة ثالثة من الناخبين المغاربة فضلت المشاركة والتصويت إما للمعارضة أو بالتصويت السلبي بالنظر لعدد الأصوات الملغاة الذي تجاوز 20 بالمائة، وذلك لتأكيد نجاح الدستور والتعبير عن رفضها لموقف المقاطعة الذي دعت له حركة 20 فبراير، وقد أضيفت هذه الفئة إلى فئة مناضلي الأحزاب وهي فئة قليلة وفئة المترددين غير المنخرطين في العمل السياسي والذين يصوتون حسب البرامج الحزبية. لكن سيناريوهات التحالفات الممكنة التي سوف تنتهي حتما بتفجير الكتلة أو التحالف الهجين للثمانية أو هما معا، سوف ترسم معالم المشهد السياسي المغربي المقبل الذي يصعب التنبؤ بمصيره في ظل البحث المفترض عن تقنوقراط يلبسون زي الحزب لأداء مهام الساسة بالوكالة. الحدث الشرقي العدد 633