إحالة متهم على العدالة بتهمة محاولة القتل العمد وإحداث عاهة مستديمة اقتنى علي 5 لترات من البنزين من عند أولائك الذين يبيعون البنزين المهرب بالتقسيط، والذين يملؤون الأرصفة بطرقات مدينة وجدة وصَبَّه على صديقه سعيد وأضرم فيه النار ولم يترك له حتى الوقت ليستوعب ماذا يجري له توطت العلاقة بين سعيد وعلي، اللذين لا يتجاوز عمر كل واحد منهما العشرين سنة. كان أحد الأحياء الهامشية شية بمدينة وجدة مدرستهما والحقول الشاسعة ملعبهما والحومة ملجأهما. كان سعيد طويل القامة وقوي البنية، يفضل ارتداء سراويل «الجينز» وقميصا خفيفا يناسب لونه لون السروال وينتعل حذاء رياضيا، كان يعتني بهندامه كأي مراهق في سنه، ويتميز بسلاطة اللسان وحب التحدي وكان يملأ «الحومة» نشاطا وحركة وحيوية.. أما علي، أمين سر سعيد وصديق عمره، حيث كان يلازمه كظله، فهو نحيف الجسم وأقصر من صديقه سعيد وأقل منه قوة، لكن أكثر ذكاء وأسرع نباهة وأخف حركة، كان علي أقل اهتماما بهندامه من صديقه المراهق، ربما لضعف حال أسرته. ولكن كان كل واحد منهما يكمل الآخر. شريكان في السر والعلانية كان سعيد وعلي يقصدان نفس المؤسسة الثانوية ويهجرانها معا كلما اتفقا على ذلك لسبب ما. كان الواحد منهما دعامة الآخر وسنده بحيث يشتركان في كل شيء، في معاكسة الفتيات وفي السهر على «الجوانات» والبحث عن دريهمات من بيع ما يمكن بيعه من حاجات. وكانا يقتسمان التعاسة والفرح والجد والمرح ويسهران حتى الصباح في سرد الحكايات والنكت. وبقدر ما كان الحظ يحالف سعيد، كان يعاكس علي، وبقدر ما كان يحس سعيد بالتفوق في العمر والقوة الجسمانية والوسامة، كان علي يُظْهر ذكاءه ونباهته دون أن يقنع صديقه الذي كان يعتبر نفسه معلما له. كان علي يحتفظ بملاحظاته لنفسه ويحاول أن يبرر وضعيته بشتى العلل ويَظْهر بمظهر الرجل المسؤول والقادر على تجاوز سِنِّه بمهاراته. فيما كان سعيد يريد دائما أن يحافظ على تفوقه وغلبته اللذين تحولا شيئا فشيئا إلى تسلط وعجرفة أقلقا راحة علي وَوَلَّدَا لديه إحساسا بالدُّونِية أنتجت حقدا دفينا ينتظر شرارة لينفجر. كلمة وتلاسن وإشعال نيران وقع الحادث في أحد أيام شهر يونيو، حيث كان الشابان الصديقان يتجاذبان أطراف الحديث حول مواضيع مختلفة تهم سِنَّهما نتج عنها خلاف تطور إلى ملاسنة فشجار ثم عراك. «ما تقربش لهاذيك. راها ديالي. وانت باقي صغير. وزايدون انت ماعندك والو...» ألقى سعيد هذه الكلمات كالجمرات على قلب صديقه علي ولم يَعِ أنه وَقَّعَ على شهادة إعدامه حرقا. أثارت العبارات حفيظة الشاب المراهق علي وجرحت مشاعره وأشعلت فيه نيران الحقد و«الحكرة» واعتبر كلام صاحبه إساءة له ومَسًّا بكرامته و«مَارْضَاشْ» وكان لا بد من محو العار بتأديب علي وعقابه لكي يعتبر مستقبلا. لكن لم يكن في وسعه الدخول معه في عراك والملاكمة بالأيدي أو بضربات الرأس، يكون هو الخاسر فيهما. «غادي نْخَسَّرْ لَمّْو ِزينُو وَنْوَرِّيهْ شْحَالْ يَسْوَاوْ الرْجالْ». فما كان منه إلا أن أخذ قنينة من البلاستيك من فئة 5 لترات من البنزين من عند أولائك الذين يبيعون البنزين المهرب بالتقسيط والذين يملؤون الأرصفة بطرقات مدينة وجدة وصَبَّه على صديقه سعيد وأضرم فيه النار ولم يترك له حتى الوقت ليستوعب ماذا يجري له. كانت ألسنة النيران تأكل جسد سعيد الفتي وهو يقفز وينط ويتمرغ ككرة ملتهبة، محاولا إخمادها دون جدوى أمام أعين علي المتقدة شرا وحقدا قبل أن يغادر المكان بعد أن انطفأت النيران، نار الحقد التي أكلت قلبه ونار البنزين التي التهمت جسد صديق طفولته الذي نقل على إثرها إلى المستشفى مصابا بحروق بليغة وخطيرة. نقل سعيد إلى المستشفى في حالة خطيرة نتيجة إصابته بحروق بليغة من الدرجة الثالثة، فيما تمكن الجاني من الفرار واختفى أياما قليلة عن الأنظار. إلقاء القبض على الجاني بعد البحث والتحريات تمكنت عناصر الشرطة القضائية من إلقاء القبض على علي، الذي لم يفهم ما وقع له وأخذ يتساءل لماذا تصرف كذلك وكيف سلك طريق الغل في الوقت الذي كان الشرطي يضع على يديه الأصفاد، بحيث إنه لم يستطع حتى السؤال عن صديقه الذي اقتسم معه الحُلو والمُرّ. أحس علي بالوهن ولم تعد تقوى ساقاه على حمله لكن أحس بيد قوية تمسك بذراعيه وتدفعه إلى «السطافيت». ترك الطفل أسرته وحومته وأصدقاءه ليلج عالما قاسيا غير ذلك الذي يحلم به. أحيل علي على العدالة بتهمة إحداث حروق عمدية بالغير ومحاولة القتل العمد وإحداث عاهة مستديمة.