التعليم الخاص..وسيلة للتباهي أم استثمار في الأبناء؟ مشكل الاختيار والتوجيه رأي باحث في علم الاجتماع تعتقد بعض الأسر المغربية أن التعليم الخاص "خير" لأبنائها في التحصيل العلمي والمعرفي، بدعوى أن الانتماء إلى التعليم الخاص من شأنه تسهيل الولوج إلى سوق الشغل بينما يذكر فؤاد بلمير، باحث في علم الاجتماع، أن الفرق الحاصل بين المدرسة العمومية والمدرسة الخاصة، ليس بالضرورة أن يقود دائما إلى الانخراط في التعليم الحر، بقدر ما يستدعي إعادة النظر في "الخلل" الذي أدى إلى تراجع العديد من الأسر في التعاطي مع المدارس العمومية، واعتبار المدارس الخاصة موضعا للتباهي بالانتماء إليه، وفرصة سانحة للاستثمار في مستقبل الأبناء. بأناقة تكشف عن الاهتمام بالمظهر، تتحدث هند سمري (14 سنة)، عن أن ولوجها لمدرسة خاصة ساعدها على اكتساب أمور زادتها ثقة في النفس، لتوضح ما ذكرته بأسلوب يعبر عن ارتياحها لهذا الاختيار، أن مدرستها مكنتها من الانفتاح على ثقافات مختلفة، من خلال اكتسابها للغة الفرنسية إلى جانب اللغة الإنجليزية التي تحاول أن تتوفق في تلقنها، بعدما استطاعت أيضا أن تكتسب اللغة العربية ولو على نحو متواضع، فيما ذكرت رفيقتها مريم خيرات (15سنة)، أن تجربتها الفاشلة في المدرسة العمومية، دفعت والدها إلى نقلها لمدرسة خاصة، فإن لم تكن من المتفوقات في الدراسة فهي على الأقل تعيش في جو دراسي يسوده التحدي بين التلاميذ، حسب ما قالته بنبرة ساخرة. في المقابل، يقول المهدي باسمي (12 سنة)، إن إعجابه بمادة الرياضيات وعلوم الفيزياء، شجع والده على تسجيله بمدرسة خاصة، مع اعتماد دروس إضافية في بيته بإيعاز من والده، الذي يعتبر قدوته في المعرفة، باعتباره أستاذا في مادة العلوم الطبيعية بإحدى الثانويات. ولأنه ليس كل التلاميذ يحظون بفرص ولوج المدارس الخاصة، يذكر محمد الطاس (17 سنة)، أن النجاح في التعلم مقرون بالاجتهاد والمثابرة في التحصيل الدراسي، وإن كان العديد من التلاميذ يتعذر عليهم تعويض النقص الذي يخلقه تهاون بعض الأساتذة في تلقين الدروس للتلاميذ بشكل يلبي حاجتهم المعرفية. الرأي نفسه، يؤكده حمزة البشير (19 سنة)، الذي ذكر بلهجة قانطة، أنه استعصى عليه اكتساب اللغة الفرنسية والرياضيات، ما اضطره إلى اختيار شعبة الآداب، ومع ذلك لم يفلح في النجاح والحصول على شهادة الباكالوريا. رأي باحث في علم الاجتماع حين وجدت بعض الأسر المغربية في المدارس الخاصة ملاذا لاحتضان أبنائها، بما يدفع بهم إلى إنماء قدراتهم الفكرية والمعرفية، أصبحت المدارس العمومية حكرا على من حالت إمكانيته المادية المحدودة دون ولوجها، فوفق ما أوضحه فؤاد بلمير، باحث في علم الاجتماع ل"المغربية"، فإن المدرسة العمومية تشهد تراجعا مهولا، في وقت كانت المدرسة العمومية تلعب دورا أساسيا في تكوين الأطر العليا، التي تدير الشؤون العامة للبلاد، إلا أنه منذ التسعينيات، أصبحت الأسر المغربية تفضل تعليم أبنائها اعتماد على برامج تعليمية وتربوية تشرف عليها المدارس الخاصة بنوع من الصرامة والالتزام حسب رأيه. كما يذكر بلمير أن الخلل الحاصل في التدبير المؤسساتي للمدارس العمومية، وكذا هشاشة بنيتها التحتية، وبيئتها غير المهيأة للتدريس، كلها عوامل أدت بعدة أسر مغربية إلى النزوح نحو التعليم الخاص، الذي يساهم بنسبة لا تزيد عن 10 في المائة من التعليم بالمغرب، حسب ما أفاد به بلمير. ويشير فؤاد بلمير أن الأساتذة، الذين يدرسون بالمدارس العمومية هم أنفسهم الذين يدرسون بالمدارس الخاصة، غير أن المحفزات التي توفرها هذه الأخيرة كالعامل المادي والتنظيم والانضباط في صفوف التلاميذ وعددهم المحدد، إلى جانب الصرامة في التعامل مع المؤطرين والأساتذة، قصد الالتزام بالبرنامج الدراسي المسطر لهم، يجعل المدارس الخاصة تتميز عن المدارس العمومية التي يطبعها الاكتظاظ في الأقسام وغياب ورشات موازية للبرنامج الدراسي، كحصص الرياضة والموسيقى والرسم، في تذكير منه أن هم التلاميذ في السنوات الأخيرة يرتكز على تحصيل نتائج النجاح في منأى عن التكوين والتربية السليمين، بعدما غابت عنهم أطر مشرفة على التوجيه والإرشاد إلى التخصصات، التي تتلاءم والقدرات الفكرية والذهنية لكل تلميذ. مشكل الاختيار والتوجيه دون أن تكف عن التلويح بيدها على نحو اعتباطي، تذكر سمية القادري، (37 سنة، أم لطفلتين)، أن التلقين التعليمي بالمدارس الخاصة في الفترة الراهنة، أفضل من التعليم العمومي، باعتبار أن هذا الأخير لا يساهم في تطوير قدرات التلاميذ بقدر ما يلهيهم عن الاختيارات الصحيحة، موضحة ذلك أن الجيل الصاعد بحاجة إلى اكتساب مهارات وتقنيات تتماشى وتطور المجتمع المغربي، بعيدا عن البرامج الكلاسيكية، التي تظل مقتصرة على التدوين والحفظ. أما الزوهرة حسام (43 سنة)، فتحكي مبتسمة، أنها تلقت تعليمها في مدرسة عمومية كأفراد جيلها حينئذ، لكن اليوم صار من الصعب التأكد من قدرة ابنها على بذل مجهود في الدراسة، لهذا حاولت أن توفر له أجواء ذلك، بضمه إلى مدرسة خاصة، تقتنع أنها على الأقل تتمتع بميزات كثيرة عن المدرسة العمومية. من جهته، يوضح فؤاد بلمير، باحث في علم الاجتماع " أن المدارس الخاصة متمركزة في شريط من طنجة إلى مراكش، في حين تظل العديد من المدن والمناطق تعتمد على المدرسة العمومية، ومن ثمة بذلت مجهودات ملحوظة في السنوات الأخيرة للرفع من قيمة المدرسة العمومية، غير أن التلاميذ يعيشون إحباطات داخلها، في وقت تتهافت الأسر المتوسطة على اعتماد المدرسة الخاصة، غير أن ذلك ينعكس أحيانا سلبا على اختيارات الأبناء، بعدما يفرض عليهم الآباء شعبا وتخصصات لا توازي قدرتهم الذهنية. في السياق ذاته، يجد بلمير أن المدرسة العمومية بحاجة إلى احتضان أخصائيين في علم الاجتماع وعلم النفس لمساعدة الأبناء في الاختيار والتوجيه، لأن المجتمع المغربي بقدر ما هو بحاجة إلى أطباء ومهندسين وتقنيين، بحاجة إلى أدباء وفلاسفة وشعراء، لهذا حري بالساهرين على قطاع التعليم التنسيق بين الجامعات والمؤسسات التي تستقبل الخرجين بصفتهم موظفين، مع التسليم بأن التعليم تربية له قيم سامية.