مشروع الإعلان عن منتدى الدفاع عن المرفق العام في وسائل الإعلام العمومية مازالت مسألة إصلاح الإعلام العمومي مطروحة بقوة في المغرب، رغم كل التطورات الحاصلة، حيث تؤكد التجربة الملموسة أن هناك مقاومة شديدة لأي تغيير حقيقي ضد إعمال مبادئ ومقتضيات المرفق العام في مختلف مؤسسات الإعلام، التابعة للدولة، والتي تتصرف وكأنها جهاز رسمي، مثل الأجهزة الرسمية والبروتوكولية الأخرى. ويمكن القول إن أغلب القوى السياسية والنقابية والجمعوية كانت ومازالت تطرح ضرورة تخليص وسائل الإعلام العمومية من قبضة السلطة، وجعلها في خدمة الشعب، وليس كبوق وأداة دعاية رسمية. كما أن كل التظاهرات التي نظمت في إطار حركة 20 فبراير رفعت شعارات إصلاح الإعلام العمومي وطالبت برحيل المسؤولين عن تخلفه. واليوم، يبدو واضحا أنه رغم بعض التصريحات الرسمية، المطمئنة حول أهمية مواكبة هذا الإعلام للحراك السياسي والفكري، إلا أن ما يجري على أرض الواقع يدفعنا إلى التشكيك في هذه النوايا. فما زالت القوانين المؤطرة للإعلام العمومي تمنح للسلطة كل الصلاحيات في تعيين المسؤولين وفي رسم السياسات المنتهجة، بل وتسمح بإعطاء التعليمات، وبإحكام القبضة الرسمية على مختلف مؤسسات هذا الإعلام. ويخضع المسؤولون على مؤسسات الإعلام العمومي لمنطق الولاء للسلطة، ضاربين عرض الحائط حتى بالقوانين نفسها وبدفاتر التحملات، التي بموجبها يمولون من طرف الميزانيات العامة. وتبرز في الواجهة الوسائل السمعية البصرية، التي تصرف عليها مئات الملايير من أموال الشعب والتي يتم التصرف فيها كما لو كانت ملكية خاصة لا تخضع للمراقبة وحسن التدبير. لكن والأخطر من كل هذا هو غياب أي منطق للمرفق العام، حيث يتعامل المسؤولون على القنوات والمحطات العمومية، كما لو كانت إقطاعيات، نصبوا على رأسها من طرف السلطة. لذلك فهم متعالون فوق أية محاسبة، سواء كانت حكومية أو برلمانية أو شعبية. رغم أن المرفق العام الذي تدبره سلطة عامة، يعني من بين ما يعنيه،الوفاء بحاجة ذات نفع عام بتكلفة لأقل و بجودة عالية. وعلى هذا الأساس، فإن المرفق العام هو آخر مسألة يفكرون فيها، لأن همهم الرئيسي هو إرضاء السلطة وتمرير الخطاب البروتوكولي والدعاية الرسمية، وتقديم الإنتاج الثقافي والفني وغيره بناءا على نفس المنطلقات. بل إن ما حصل ومازال يحصل هو أن ما يقدم من إنتاج إخباري وسياسي وثقافي وفني وترفيهي ورياضي، يغلب عليه طابع الارتجال والرداءة. وذلك لعدة أسباب، أولها غياب أية استراتيجية إعلامية واضحة لتقديم مضمون جيد وثانيها تهميش الكفاءات وتغليب المحسوبية والولاءات في العلاقات الداخلية وثالثها سيادة منطق الزبونية في التعاقد مع أغلب شركات الإنتاج، ورابعها ضعف تكوين المسؤولين على الإعلام العمومي السمعي البصري. إن الفشل الذي آلت إليه مختلف المحطات والقنوات، يرجع بالأساس إلى المنطق السلطوي، الذي تحكم في تعيين المسؤولين، وفي توجيه المنتوج السياسي والثقافي والفني والترفيهي و من خلال قراءة سريعة للوجوه التي تتولى المسؤولية الأولى في مختلف الشركات العمومية ( الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية – القناة الثانية – ميدي1 سات) سنجد انهم أبعد في تكوينهم عن المجال الإعلامي والثقافي والفني، بل حتى في تكوينهم السياسي والفكري، وبالتالي ففاقد الشيء لا يعطيه. وقد انعكس هذا أيضا على جودة ونوعية المنتوج، وإذا كان هذا العامل قد لعب دورا في فشل التجربة، فإن العامل الرئيسي يظل كامنا في المنطق السلطوي الذي تحكم في التعيين وفي التوجيه. . وبالإضافة إلى هذا الجانب، فإن الجوانب الأخرى المتعلقة بكيفية إدارة هذه المؤسسات وتدبير مواردها البشرية وعلاقاتها مع الوسط السياسي والثقافي والفني، ومسطرة التعاقد مع شركات الإنتاج واقتناء المعدات، وصرف الميزانيات، كلها تحتاج إلى مراجعة جذرية وكشف عن خباياها. لقد ولدت وسائل الإعلام السميعة البصرية تحت الوصاية القوية للسلطة منذ بداية الاستقلال، وظلت خاضعة لها باستمرار وارتبطت بجهاز الداخلية منذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي، ورغم إنشاء الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري وإصدار قانون للاتصال السمعي البصري، إلا أنها استمرت كأجهزة رسمية لا تقدم الخدمة العمومية المنتظرة منها ويتصرف مسؤولوها كتابعين لقوة خارج الحكومة والبرلمان والمجتمع. ونفس هذه الملاحظات تنطبق أيضا على الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري التي تصرفت كجهاز رسمي أكثر منها كمجلس حكماء. أمام كل هذا، وانطلاقا مما عبرت عنه القوى الحية في المغرب وما طالبت به التظاهرات الشعبية المنادية بالديمقراطية، وما رفعت من شعارات الهيآت الممثلة للمهنيين في قطاع الصحافة والمنظمات الحقوقية والثقافية والفنية والمركزيات النقابية، فإن، ما يطلق عليه تجاوزا، وسائل "الإعلام العمومية" لا يمكنها أن تظل خارج الإصلاح الجذري، كما لو كانت إقطاعيات تابعة للسلطة الرسمية. وبناءا على ما سبق، فإننا نحن ممثلو المنظمات و الهيئات الموقعة على هذا البيان نعلن تأسيس "منتدى المطالبة بالمرفق العام في وسائل الإعلام العمومية"، ونطالب بما يلي: 1- المراجعة الجذرية للقوانين المؤطرة للإعلام العمومي، سواء بالنسبة لقانون 03 – 77 (قانون الإتصال السمعي البصري) أو القانون الأساسي لوكالة المغرب العربي للأنباء أو ظهير الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري. وتهدف هذه المراجعة إلى رفع قبضة السلطة على كل مؤسسات الإعلام العمومي وإقرار حق المجتمع من خلال تنظيمات الصحافيين والفنانين والمثقفين والحقوقيين في مراقبة سيرها والمساهمة في توجيه مبدأ المرفق العام بها. 2- صياغة ميثاق، متفق عليه بين القوى السياسية والنقابية والجمعوية يحدد الخطوط الأساسية للخدمة العمومية واحترام التعدد والاختلاف وحرية الرأي والفكر، والحق في الخبر طبقا لما نصت عليه المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وخاصة الفصل 19 3- اعتماد نظام حسن التسيير والحكامة الرشيدة، ووضع حد لسياسة الارتجال ونظام المحسوبية والولاءات في إدارة الموارد البشرية، وإخضاع كل تنصيب في المسؤوليات للشفافية واحترام الكفاءات. وتشمل هذه المبادئ، خاصة المسؤولين الرئيسيين عن مؤسسات الإعلام العمومي، الذين ينبغي أن تتغير الطريقة المركزية و التقليدية لتنصيبهم، بل يجب ان يتم تعيينهم بناءا على مسطرة ديمقراطية وشفافية وتشاركية، ويتم اختيارهم بناءا على تكوينهم وكفاءاتهم واستقلاليتهم، وقدرتهم على التدبير الجيد واحترام مقتضيات الخدمة العمومية. 4- فتح تحقيق إداري و تدبيري و مالي في كيفية تسيير وسائل الإعلام العمومية وإجراء بحث دقيق حول طرق صرف الميزانيات والتعاقد مع الشركات واقتناء المعدات وإجراء افتحاص شامل لهذه المؤسسات، ونشر نتائج هذه التحقيقات للرأي العام. و محاسبة الذين ثبت تورطهم في عدم شفافية التدبير و التسيير الشفاف و الديمقراطي