بإنجازات تسابق الزمن نحتفي جميعنا يوم الثلاثين من شهر يوليوز بالذكرى 18 لتولي جلالة الملك محمد السادس مقاليد الحكم، مبتهجين في هذا اليوم بذكرى مبايعته على العطاء الممتد، والبناء الشامخ، والنهضة التنموية المستدامة، و تعزيز الأمن والإستقرار.يتجدد العهد بهذه المناسبة المتجددة الممتدة، فنحتفي في وطننا بذكرى ستظل صداها وذكراها في قلب كل مواطن مغربي، إنها ذكرى عيد العرش المجيد، والاجتماع والتآلف والتعاضد والتكاتف الذي هو سمة بلادنا الحبيبة وطننا الآمن، إنه موعد مع الوفاء بكل معانيه، وفاء للملك الراحل جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه ، ووفاء مع ملك الإنسانية، ورائد النهضة التنموية، وحامي حمى الملة والدين ، وقائد الرؤية التطويرية الإصلاحية، وصاحب المبادرات الإستثنائية، التي بها وبمنجزات الوطن في عصره تحققت للمملكة المغربية الريادة والمثالية، وذلك بإعلان الاجتماع والتوحد والبيعة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله و أيده . 18 سنة من العطاء انهمرت فيها سحائب العز خيرا وبركة وازدهارا ورخاء وتطورا.. 18 سنة كبيرة في حجم الإنجازات والمكاسب التي تحققت لمصلحة المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس ، الذي جعل منها رقما صعبا في سلم التقدم والرقي بمملكتنا الغالية ، وهي تدخل اليوم مرحلة جديدة من مراحل التطوير والعطاء بتجدد ذكرى البيعة التي يستلهمها الجميع بالحب والولاء والإخلاص لجلالة الملك، الذي يعيش في قلوب المغاربة الذين يكنون له تقديرا وحبا لا يشوبه زيف ولا يخالطه رياء، مثلما هم يعيشون في قلب جلالته ووجدانه وذاكرته. وإن القلم ليعجز، والأيادي تكل، والوصف يتقاصر، والعبارات تتطاير، والصور تتزاحم، حينما يروم الإنسان أن يصف عظيما من العظماء، وفذا من الأفذاذ، ورجلا من نوادر الرجال بحجم جلالة الملك محمد السادس، كيف والأمر ترتبط به معان كثيرة، وله أبعاد مختلفة، تجعل هذا الحديث يتجاوز الثناء المستحق إلى إبراز مآثر هذه الشخصية الفذة لتكون مثارا للتأسي والاقتداء، ومحمدة بل محامد تذكرها الأجيال، وتذكيرا لنا جميعا بهذه النعم لنقوم بشكرها والوفاء بحقها، وإظهارا لمقومات المحبة التي هي سبب خيرية المجتمع، وارتقائه في مجالات شتى . لقد حققت بلادنا في عهد جلالة الملك محمد السادس قفزات كبيرة ونوعية في مختلف المجالات، فعجلة التطوير والتنمية تسير بخطوات ثابتة لتشمل كافة مناطق المملكة ، وفي مختلف جوانب الحياة فشملت التنمية الإجتماعية والإقتصادية والسياحية ، والصناعية، والأمنية، والخدماتية، ومجالات الطاقات المتجددة التي تتواكب مع تطلعات العصر، والحضارات الإنسانية، وتلبي احتياجات المواطنين وتحقق رفاهيتهم، وبما يحقق التقدم والرقي للمغرب ، ولسنا هنا بصدد حصر تلك الإنجازات فهي أوسع من أن تحصيها المساحة المخصصة، ولكنها لمحات موجزة لبعض صفحات سجل العطاء لقائد مسيرة التنمية في المغرب . 18 سنة منذ تولي جلالة الملك محمد السادس الحكم خلفا لوالده الحسن الثاني سنة 1999 طيب الله ثراه، وهي فترة بدأت من الانتقال السلس للحكم في مغرب جديد ذي قاعدة شبابية متطلعة إلى التغيير والديمقراطية والعدالة في توزيع الثروة، وانتهت بتراكم سياسي تمثل في وضع دستور جديد واستيعاب التحولات المستجدة على الساحة العربية، وهي تحولات لعبت فيها الملكية في شخص الملك محمد السادس الدور المركزي والأساسي، عبر مبادرة الملك إلى إطلاق ورش التغيير الدستوري وطرح الوثيقة الدستورية الجديدة للاستفتاء الشعبي والتي استحق من خلالها المغرب "لقب" الاستثناء المغربي بكل جدارة واستحقاق وجعله محطة إعجاب وتقدير من الشعوب والدول العربية وكذا من محيطه الإقليمي والدولي الذي أشاد بالتجربة المغربية واعتبرها جديرة بالتنويه. مثلت المصالحة المدخل الرئيسي في صوغ مشروعية الملكية لما بعد تولي جلالة الملك سدة الحكم ، وشكل ذلك نوعا من التقويم للعهد السابق وإطارا جديدا لإعادة تركيب معادلة العرش والشعب التي كانت قائمة في السابق على مشروعية النضال المشترك ضد الاستعمار، وأصبحت قائمة في العهد الجديد على السير المشترك نحو إصلاح الأعطاب السابقة للدولة ومد جسور الثقة بين الدولة والمواطن. و ظهر هذا التوجه بداية في الاهتمام الملكي بالمنطقة الشمالية والشرقية منذ الأشهر الأولى لتولي جلالته الحكم، وتمثل في الجولات والزيارات التي قام بها الملك محمد السادس للمناطق والأقاليم التي ظلت تعاني من التهميش ، بسبب تركة الماضي السياسي اللاحق على مرحلة الانعتاق من الاحتلال الفرنسي . كما تمثلت تلك المصالحة أيضا في مسعى جلالة الملك إلى طي صفحة الماضي والتصالح مع الذاكرة الوطنية، من خلال تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة وتعويض ضحايا ما سمي بسنوات الرصاص على عهد المرحلة السابقة. لقد تكثفت الإشارات الملكية القوية اتجاه الإصلاح والتغيير منذ السنوات القليلة الأولى لحكم الملك محمد السادس، فبعد هيئة الإنصاف والمصالحة وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تم وضع مدونة جديدة للأسرة بهدف الانتصار أكثر لفائدة القضية النسائية، ناهيك عن اصلاح الحقل الديني لإخراجه من أي استغلال سياسوي وجعله مجالا محفوظا لإمارة المؤمنين في إطار خصوصية مغربية توازن بين ثوابت المملكة الدينية والانفتاح على قيم الحداثة والديمقراطية. وفي مجال التنمية والبشرية وتقوية تنافسية الإقتصاد الوطني ، فقد حرص صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ومنذ إعتلائه عرش أسلافه الميامين على إطلاق المخططات الحضرية الكبرى وفتح الأوراش التي شملت مختلف المجالات التنموية . وهكذا أبى جلالة الملك ومنذ إعتلائه عرش أسلافه المنعمين إلا أن يعطي المثال الحي والدليل الساطع على التزامه الراسخ حيال مواصلة مسلسل البناء والتشييد الرامي إلى جعل المواطن المغربي قطب الرحى في كل عملية تنموية شاملة ومستدامة، الأمر الذي تجلى من خلال سياسة المشاريع البنيوية الكثيرة التي رأت النور على يدي جلالته خلال الستة عشر سنة الأخيرة . والواضح أن عهد جلالة الملك عرف إطلاق سياسة الأوراش الكبرى و البرامج والمخططات الحضرية الكبرى بامتياز، والتي حرص جلالته على إيلائها عنايته الفائقة، اعتبارا لمساهمتها القوية في الرقي بالمشهد الحضري وتحسين الجاذبية الاقتصادية للمدن المغربية وجعلها فضاء يضمن الحياة الكريمة للمواطن، والأكيد أن هذه البرامج الضخمة، تعكس الحرص الدائم لصاحب الجلالة على مواصلة مسلسل تأهيل الأقطاب الحضرية للمملكة، لاسيما تلك التي طالما عانت من عدة اختلالات بنيوية وهيكلية، وتمكينها من بنية تحتية متينة ومشهد حضري متناغم وجذاب، فضلا عن تزويدها بمختلف المرافق الحيوية الكفيلة بمواكبة الطفرة العمرانية والاقتصادية والديموغرافية التي تعيش على إيقاعها، ومن ثم ضمان تطور متوازن ومندمج ومستدام لمختلف مدن المملكة المغربية . وفي الخيارات الإستراتيجية، أبقى الملك محمد السادس قضية الصحراء المغربية في الإطار الذي وضعه الحسن الثاني "الصحراء مغربية وأي حل للنِّزاع حولها، يجب أن يضمن لها السِيادة المغربية"، لكن جلالة الملك محمد السادس، كان أكثر ذكاءا في التّعاطي مع مُعارضي هذا الإطار، ليخفِّف عن كاهل بلاده الكثير من أوراق ملف حقوق الإنسان، التي كان يوظفه اعداء الوحدة الترابية في عهد الملك الراحل ضد المغرب. وفي هذا الإطار، تحرك جلالته محدِّدا سياسته أو مقاربته للنِّزاع وتسويته، فالنزاع أساسا مع الجزائر وأن تسويته لا تكون إلا بحلّ سِلمي يُرضي جميع الأطراف، ومن هذا المُنطلق، طرح في عام 2005 مُبادرة منح الصحراويين حكما ذاتيا تتمتتع سلطاته بصلاحيات واسعة تحت السيادة المغربية، ويتمسك المغرب بمبادرته، التي لقِيت تفهما دوليا، ويرفض البحث في غيرها، وقطعت الطريق على المشاريع الانفصالية المدعومة من الجزائر. ولكي يعطي جلالته مصداقية اكثر لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تم العملعلى تنزيل مشروع الجهوية المتقدمة كمقاربة ترابية تنموية لاستكمال بناء دولة المؤسسات . وعلى عهد جلالة الملك عاد المغرب بقوة إلى الساحة الإفريقية، أولا من خلال رعايته وحمايته لحقوق المهاجرين وهو ما تجسد عبر إطلاق مبادرة ملكية لتسوية الوضعية القانونية للمهاجرين الأفارقة المقيمين بطريقة غير شر عية فوق التراب الوطني، وثانيا من خلال تقوية التعاون الإفريقي بفضل الزيارات الملكية لعدد من الدول الإفريقية، وهي الزيارات التي تكللت بتوقيع العديد من الإتفاقيات ذات الطابع الإقتصادي والتنموي بين دول إفريقية ومؤسسات مغربية من القطاع العام والخاص، وبهذا تكون رؤية جلالة الملك قد حققت نتائجها الكبرى في تعزيز الامتداد الجيواستراتيجي للمغرب في العمق الإفريقي. وهي مقدمة لنجاح نهج ملكي هيأ الأجواء لتكثيف شراكات أكبر مع عدد آخر من الدول الإفريقية لإعطاء مبدأ تعاون جنوب – جنوب مصداقية أكبر، رهان جلالة الملك على الاستثمار في القضايا التنموية إفريقيا يميز طبيعة الشراكة والتعاون المثمر مع هذه القارة يرتكز على التنمية المستدامة، وليس على استغلال مفضوح لمواقف منطمة الإتحاد الإفريقي " التي إخترقتها الديبلوماسية الملكية مؤخرا " في صراعات إقليمية لا علاقة لإفريقيا بها، فالأمر يتعلق بتدبير استراتيجي للروابط الروحية والثقافية والتاريخية العريقة بين المغرب وإفريقيا. إن كل ما تم سرده لم يكن ليتحقق لولا نعمة الأمن والإستقرار التي يتمتع بهما المغرب تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك، فالمغرب يشكل إستثناء في محيطه الإقليمي والعربي والإفريقي بما يتمتع به من أمن واستقرار في ظل ذروة الاضطراب والفتن التي تعيش على إيقاعها العديد من الدول، فالامن الذي هو الارضية الصالحة لكل تنمية يرومها الانسان قد حققه المغرب والحمد لله له و لمجموعة من الدول الغربية و العربية التي تواجه تهيددات وتحديات أمنية متنامية، فالمغرب بات نموذجا يجذب دول العالم لطلب تجربته في مجال محاربة الإرهاب، لكونه نجح إلى حد كبير في إبعاد المخاطر التي تهدده، وذلك بفضل يقظة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للمملكة، والخطة الاستباقية التي أبانت عن جدواها، وهو ما جعل هذه الدول تتهافت على طلب التجربة المغربية المتميزة والناجحة في مجال مكافحة الإرهاب.