تضاربت الأنباء في الجزائر حول الجهة التي تقف خلف التفجير الانتحاري الذي استهدف مبنى الأمن الحضري بالناصرية بولاية بومرداس وخلف خمسة قتلى 27 جريحا، فبينما أنحت جهات رسمية باللائمة على ما يعرف تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، شككت مصادر سياسية في صدقية الإستمرار في تحميل مسؤولية الفلتان الأمني لتنظيم القاعدة وتجاهل الأسباب المباشرة للإحتقان الداخلي الذي يهدد بانفجارات غير محسوبة العواقب. ويأتي جدل السياسيين الجزائريين حول أفضل السبل لمواجهة استمرار الأعمال الإرهابية التي كانت قد استهدفت قبل أسابيع قليلة معلمين رئيسيين في قلب الجزائر العاصمة ويتعلق الأمر بالمجلس الدستوري ومقر الأممالمتحدة، حيث سقط عشرات القتلى والجرحى، في حادث أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مسؤوليته عنه، قبل أن يحول تفجير انتحاري صبيحة الأربعاء مبنى الأمن الحضري في الناصرية إلى رماد، حيث تمكن انتحاري يقود شاحنة تجارية من الإرتطام بمقر الشرطة فقتل نفسه وخمسة آخرين بالإضافة لعشرات الجرحى، حسب الإحصاءات الرسمية. وعلى الرغم من أن الإجماع السياسي حول إدانة أعمال العنف في التعبيرات السياسية لمختلف القوى الفاعلة في الجزائر، فإن الخلاف حول الجهات الواقفة خلف هذه الأعمال لازال قائما. فقد جدد وزير الإعلام الجزائري السابق وعضو مجلس الأمة الحالي الدكتور محيي الدين عميمور في تصريحاته الأخيرة لوسائل الإعلام رفضه المبالغة في الحديث عن القاعدة، وقال "إلى حد الآن لم أجد شيئا يقنعني بأن القاعدة هي كل من يقف خلف هذه الأحداث، فإذا كانت القاعدة هي من يقف خلف كل أحداث العنف التي تخترق كل العالم وإذا كانت بهذه القوة فعلينا أن نسلم لها، فهؤلاء الذين ينفون أعمال العنف في الجزائر فقدوا كل المرجعيات، فلا الجبهة الإسلامية معهم ولا الجماعات المسلحة أيضا معهم، ويبحثون عن الإرتباط بجهات عالمية". واعتبر عميمور أن الأمر لا يتجاوز مجموعات معزولة تريد إرباك الأمن في الجزائر لا أكثر ولا أقل، وليست عملية منظمة القصد منها مواجهة نوايا ترشيح الرئيس بوتفليقة لعهدة رئاسية ثالثة، وقال: "لو كان الأمر يتصل بمواجهة خيارات سياسية بالكامل لكانت موجودة في مختلف التراب الوطني، ولكنها عمليات معزولة تجري هنا وهناك لجماعات معزولة، ومن الصعب تحديد الأسباب التي تدفع هؤلاء للإقدام على مثل هذه الأمور، لكن ليس من المستغرب في بلد يضم أكثر من 30 مليون ساكن ويمتد على أكثر من 2 مليون ميلا مربعا أن تعمد مجموعة أشخاص لأمر أو لآخر لإحداث مثل هذا الأمر، وهو لا يعكس عجزا في المؤسسة الأمنية، وإنما يعبر عن مرارات يشعر بها بعض من لجؤوا إلى هذا العمل، وهذا موجود في كل أنحاء العالم". ودعا وزير الإعلام الجزائري السابق إلى اعتماد رؤية جديدة للأمن جوهرها إشراك كافة شرائح المجتمع ونخبه في تحمل المسؤولية عن حفظ الأمن والإستقرار، وقال: "الأمن هو جزء من متطلبات الإستقرار السياسي والإجتماعي في البلاد، وضمان هذا الأمن يتطلب مفهوما شاملا تشترك فيه النخب السياسية والفكرية والأجهزة الأمنية، وهذا ليس فيه عسكرة للمجتمع ولا للدولة، إذ الحرب على الإرهاب يجب أن تقوم بها الدولة بجميع أجهزتها وبكل من فيها من خلال قضية الحس المدني الذي يجعل من أمن المواطن أمرا مطلوبا من الجميع، أما إذا غاب هذا المفهوم الشامل للأمن وترك الأمر لرجل الأمن فهذه هي الخشية من العسكرة"، على حد تعبيره. لكن الرجل الثاني في تنظيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ الشيخ علي بلحاج الذي أدان في تصريحاته لوسائل الإعلام أعمال العنف التي يدفع المواطنون الآمنون ثمنها، اعتبر أن ما يجري ليس إلا امتدادا لأزمة سياسية مستمرة منذ إلغاء المسار الإنتخابي الذي فازت به الجبهة، وقال: "أحداث العنف ليست جديدة على الجزائر فمنذ إلغاء الإنتخابات وأحداث العنف تعصف بالجزائر ساعة تتصاعد وأخرى تنخفض وفقا للظروف، ونحن في هذه الحالات لا ننظر إلى المنفذ بمعزل عن باقي الظروف المحيطة به، بل ننظر إلى الجهات المستفيدة منه والواقفة خلفه، ونعتقد أن جوهر الموضوع ينبغي أن ينصب على ضرورة البحث عن مخرج سياسي للأزمة لأن كل الطرق التي سلكها النظام باءت بالفشل وعجزت عن تجفيف كل منابع العنف". وشكك بلحاج في الحديث عن القاعدة وأشار إلى أن ذلك يأتي في سياق التعمية على الصراع الدائر حول تجديد العهدة للرئيس بوتفليقة، وقال: "لا أعتقد أنه من المقنع الحديث عن القاعدة كلما حدثت أعمال إرهابية هنا أو هناك، ذلك أن كل الأنظمة الإستبدادية أصبحت تصنع لها قاعدة، خصوصا لدينا في الجزائر، لا سيما في ظل صراع محتدم على عهدة ثالثة للرئيس بوتفليقة على الرغم من أن بوتفليقة نفسه لم يعلن ذلك، لكن صراع الأجنحة موجود حتى داخل جبهة التحرير نفسها حول الموقف من العهدة الثالثة ومن تعديل الدستور، ومن يدفع ثمن هذا الصراع هو الشعب الجزائري للأسف الشديد". وحذر بلحاج من التمادي في التطاول على الدستور والتلميح إلى تعديل بعض مواده بما يمس من ثوابت الجزائريين، وقال "في مطلب تعديل الدستور هناك من ينادي بحذف مادة "دين الدولة الإسلام"، وهذا شيء خطير للغاية سيفجر عنفا لا قبل للجزائر به، ونحن نرفضه من الآن، وخطورته تزداد أكثر إذا تم الأخذ بعين الاعتبار ما نسب للسفير الأمريكي في الجزائر من أن واشنطن ليس لديها أي مانع من العهدة الثالثة لبوتفليقة، وكأن أمريكا تعطيه الضوء الأخضر لذلك، ولهذا نحن لا ننظر في الأعمال الإرهابية إلى المنفذ بل ننظر إلى الجهات الواقفة خلف المنفذ والجهات المستفيدة، ومن هنا أيضا نعتقد أن استهداف المجلس الدستوري ومقر الأممالمتحدة لم يكن اعتباطيا". واعتبر الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن الحديث عن القاعدة تحول إلى بعبع لإخافة الناس واستدرار عطف الأمريكيين لدعم الأنظمة المستبدة، وكشف النقاب عن أنه بصدد رفع قضية ضد جهات إعلامية جزائرية اعتبرته ممثلا للجناح السياسي لتنظيم القاعدة، وقال: "هنالك أنظمة استبدادية تخلق قاعدة لكي تبرر وجودها وتستعطف أمريكا لمساندتها، فموضوع القاعدة تحول عندنا إلى بعبع يخيفون به الناس، فهنالك صحف أنا بصدد رفع قضية ضدها تتهمني بأنني أمثل الجناح السياسي للقاعدة، وهذا أمر مخالف للواقع، فنحن عندما ناصرنا العراق أو فلسطين لم ننتظر أمرا من القاعدة، وإنما مرجعنا في ذلك القيم الإسلامية الموجودة في القرآن والسنة، والقاعدة ليست هي مرجعية المسلمين، ولهذا تحولت إلى بعبع يخيفون به الناس ولا يمكن أن ينطلي ذلك على أحد، ذلك أن المصدر للعنف إما ظلم داخلي أو عدوان خارجي". ولفت بلحاج الإنتباه إلى خطورة ما يمكن أن تؤول إليه مثل هذه السلوكات السياسية على مستقبل السيادة الوطنية لدول المغرب العربي عامة والجزائر على وجه الخصوص، وقال "هنالك مظالم اجتماعية واقتصادية وسياسية يتم تجاهلها لصالح ترجيح كفة القاعدة، وهذا يأتي في إطار التمهيد لإنشاء قواعد عسكرية أمريكية في إفريقيا، وفي الجزائر بدأ الحديث عن فراغ الخزينة العامة من الأموال، وهنالك معلومات عن وجود 43 مليار دولار أمريكي من الأموال الجزائرية في البنوك الأمريكية، وهذا يعني أن أمريكا أخذت ضمانة مالية لها خوفا من أي معارضة يمكنها أن تتسلم الحكم مستقبلا في الجزائر، تماما مثلما فعلت مع شاه إيران حين قررت حجز أموال إيران بعد الثورة مباشرة، وكان من شروط تحرير الرهائن الأمريكيين في طهران وقتها إعادة الأموال الإيرانية، فاللعبة أصبحت مكشوفة بالنسبة إلينا"، كما قال. وكانت تقارير أمنية وإعلامية تحدثت مؤخرا عن مخطط أمني متطور يجري الإعداد له بالجزائر لمواجهة ما يسمى بحرب السيارات الملغومة التي تشنها الجماعات المتشددة ضد مصالح حكومية وأجنبية،كما يذكر أن المدير العام للأمن الوطني الجزائري علي تونسي كان قد تحدث في وقت سابق عن خطة أمنية جديدة لم تكشف تفاصيلها، قالت بعض المصادر إنها قد تستخدم تقنيات إلكترونية شبيهة بتلك المعتمدة في بريطانيا، لكنها واقعيا تميزت بزيادة عدد الحواجز الأمنية وتشديد إجراءات التفتيش في العاصمة لأصحاب الحافلات والشاحنات وكذلك الأشخاص المشبوهين، حيث تم توقيف 72 شخصا من أصل 9 آلاف شخص تمت مساءلتهم، كما قالت مصادر إعلامية جزائرية. وعلى صعيد آخر انتقد قيادي الجبهة الإسلامية للإنقاذ الشيخ عبد القادر بوخمخم الخطة الأمنية الجزائريةالجديدة لمواجهة الأعمال الإرهابية، وقال: "هذا نظام قديم جديد، وفي اعتقادي أنه مهما كانت المحاولات لإيجاد الوسائل التدميرية وليس للإنسان وللحياة، لا تجدي نفعا إذا لم يكن هناك حل سياسي عادل يرفع المظالم عن الناس ويعيد الحقوق إلى أصحابها ويسمي الأشياء بمسمياتها هذا هو النظام الذي نريده، أما النظام البوشي الذي يحاول أن يجعل الأنظمة العربية خاضعة تحت تصرفه كما يخضع الشرطي أمام قائده، فهذا في نظرنا لا يخدم المصلحة الوطنية ولا مصلحة الأمة"، على حد تعبيره.