استجوبته : فاطمة بوبكري ................................................................................ تعتبر مجالا متحركا وغير ثابت تتحكم فيه الأحداث الطارئة في كل لحظة. أولا: ماهي قراءتكم في طبيعة العلاقات المغربية الإسبانية، على ضوء التطورات الأخيرة؟ . إن العلاقات المغربية الإسبانية محكومة بعاملي التاريخ والجغرافية. فمن ناحية أولى يلعب الإرث التاريخي دورا مهما في بلورة هذه العلاقة. فالمغرب وإسبانيا يحكمهما هم "الفتح الإسلامي" و"الاستعمار الإسباني"، وبالتالي فإن حضور هذا التاريخ واضح في كل العلاقات التي تتميز بالمد والجزر. فالجزر يأتي نتيجة هذا الإرث لكن العامل الجغرافي والمصالح الاقتصادية سرعان ما تؤدي إلى تغليب المد. وإذا رجعنا فقط إلى مرحلة ما بعد استقلال المغرب فقط، يُمكن أن نلاحظ أن الاستعمار الفرنسي خرج من التراب الوطني دفعة واحدة، أما الاستعمار الإسباني فإنه دائما يُحاول تمديد بقائه في المغرب. لقد استرجع المغرب إقليمه من إسبانيا على شكل أربعة مراحل، والبقية ستأتي: المنطقة الشمالية، طرفاية، سيدي إفني، الساقية الحمراء وواد الذهب، ولا يزال ينتظر خروج إسبانيا من عدة ثغور أهما سبتة ومليلية والجزر الجعفرية ... وهذا دليل على أن إسبانيا تسعى إلى إطالة وجودها بالمغرب كمحاولة لإبقاء المغرب دائما في وضعية ضعيفة. ويُمكن أن نلاحظ هذا أيضا على مستوى قضية الصحراء والدور الذي تلعبه إسبانيا. كما أن موقفها "العنيف" خلال أزمة جزيرة ليلى دليل على النزعة الاستعمارية الدفينة لدى جزء من الطبقة السياسية الإسبانية. ومن جهة ثانية، نلاحظ أن التقارب الجغرافي يفرض على الدولتين أن تتعاونا لتحقيق المصالح المشتركة بينهما، خاصة على المستوى الاقتصادي. وبناء عليه يُمكن القول على أن العلاقات المغربية الإسبانية تُعتبر مجالا متحركا وغير ثابت، وتتحكم فيه الأحداث الطارئة في كل لحظة. ثانيا: خلفيات هته الأزمة إذا أمكننا أن نسميها كذلك؟. إن الأحداث التي يُمكن أن تُحرك العلاقات المغربية الإسبانية كثيرة ومتنوعة: قضية الصحراء، ملف الهجرة السرية، المخدرات، النواحي الأمنية... وهذا ما يُفسر الأزمات الدورية التي تلحق هذه العلاقات. لكن الأساسي هو أن الدولتين محكومتان بضرورة تجاوز هذه الأوضاع مهما كانت طبيعة الأزمة. وقد كان من الممكن أن تتطور العلاقات إلى وضعية سيئة مثلا خلال أزمة جزيرة ليلى أو بعد زيارة خوان كارلوس إلى مليلية، أو في القضايا المتعلقة بالجوانب الأمنية، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث. إضافة إلى هذا، يجب أن نستحضر دائما التناوب على السلطة في إسبانيا بين كتلتين كبيرتين: الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي، أي بين اليسار واليمين بصفة عامة. ولذلك فمع كل تغير في السلطة الحكومية تقع بعض التغييرات على مستوى المواقف دون أن يؤدي ذلك إلى القطيعة التامة. فالديمقراطيات الغربية درجت على احترام بعض التزامات الحكومات السابقة. وما يقع في الآونة الأخيرة دليل على هذا التوجه المتحكم في العلاقات الثنائية بين البلدين. ثالثا:هل هناك احتمالات تجاوزها؟. إن تجاوز وضعيات الأزمة بين المغرب وإسبانيا رهين بتحقق بعض العوامل المساعدة على تحسين هذه العلاقات، وعلى رأسها وضع إستراتيجية واضحة لتصفية الوجود الإسباني ذي الصبغة الاستعمارية، مع العمل على تكثيف العلاقات الاقتصادية وتمتينها بما يخدم مصلحة البلدين معا. إن علاقات الجوار الجغرافي، تفرض هذا التوجه، إضافة إلى ما يُمثله المغرب من دولة تسعى جاهدة لإقامة دولة الحق والقانون وترسيخ التوجه الديمقراطي أسوة بما وقع في إسبانيا نفسها. ولعل هذا ما سيعطي للمغرب هذه المكانة التي لم تصلها بعد العديد من دول المنطقة.