تعودت رحمة على إنامة صغيرها، تهدهده وتغني له أغنية( نيني يامومو)، فتعود النوم عليها هو الآخر، فأصبحت جزءا منه.. في إحدى الليالي كعادتها حملته بين ذراعيها لتهدهده وتغني له لكي ينام، ولكنها تفاجأت بالأغنية مبتورة ومنقوصة من نيني.. كان قد خاض حربا ضروسا ضد لصوص عاثوا فسادا في البلاد.. سرقوا نوم وأحلام الأطفال.. حرب دامت لسنين.. نصبوا له فخا استعملوا فيه أسلحة محظورة.. كانت خدعة قذر ة لاأخلاقية.. تمكنوا منه.. اعتقلوه وزجوا به داخل مغارة كان بابها صخرة كبيرة.. لم يستسغ الصغير سماع الأغنية مبتورة ومنقوصة... لم تعد تبحر به عبر أرجوحة أحلامه الملونة.. حالت بينه وبين نعمة النوم.. ولم يعد بمقدور رحمة سماعه يصرخ ويمزق سكون الليل الأخرس.. تاهت في دوامة من التساؤلات.. عيناها مغرورقتان بالدمع.. عقلها المتعب يرصد توتراتها الداخلية.. تفكر في رتق تمزق سكون الليل. وفي ليلة قمراء خرجت تبحث عن الجزء المبتور من الأغنية.. تبحث عن (نيني)، وتغني أغنية تفوح منها رائحة الأمل.. ترددها من ورائها قطط الشوارع والكلاب الضالة في موكب تضامني.. تجتاز الأزقة والشوارع المقفرة، والمدينة المترامية الأطراف تغط في سبات سرمدي.. مرت الساعات بطيئة متثاقلة.. عندما انبلج الصبح منبثقا صافيا منيرا اقتفت أثر طريق تعرفه جيدا تسابق خطاها.. عند باب المغارة، تسمرت.. اعتصمت.. سرى الخبر كما تسري النار في الهشيم.. انضم إليها سيل من الأمهات يحملن صغارهن، وبريق عيونهن نار موقدة.. التحمن مع بعضهن.. صرن جسدا واحدا.. صرخن صرخة واحدة.. دوت كالرعد.. زحزحت الصخرة من باب المغارة.. خرج منها( نيني) فارسا في زي فضي اللون، بدا من خلاله كقمر يسبح في العتمة..غنت رحمة ..غنت الأمهات.. نام الأطفال.. استعاد الليل سكونه.. استفاقت المدينة من سباتها.. أصبحت رحمة الأم " تيريزا".