لقد أرغمتنا إصلاحات المخزن على تغيير بابنا، وأصبحنا نلج مقر نيابتنا من الأبواب الجانبية كالخدم زابور تعلمناه في المدرسة، ولا زلنا نعلمه لتلامذتنا، الذين عادة ما يستفسروننا عن هذا التناقض الفاحش بين المقروء والواقع تعرضت حوالتي لشهر ماي لاقتطاع تجاوز 1100 درهم، دون أن توضح لي السلطة المالية سبب ، أو أسباب الاقتطاع، واكتفت كعادتها بوضع الرمز والمبلغ المقتطع، وكفى الله المؤمنين شر القتال، رغم أنني لم انقطع عن العمل أبدا، ولم أدل بأي شهادة طبية، وذلك منذ ما يزيد عن 06 سنوات أو أكثر، ولم أشارك في أي إضراب، لأن برمجة كل الإضرابات كانت تصادف أيام فراغ في جدول حصصي، كما أنني لا أنتمي لأي نقابة، منذ أن طلقت العمل النقابي منذ بلقنتة وتسييسه، ومنذ تدشين مسلسلات البيع والشراء في نضالات وتضحيات الطبقة العمالية المغلوبة على أمرها في بورصة" التوافق" المغشوش، ومنذ أن أصبح لكل" زعيم نقابي" شعبه وخرفانه... رغم أنني كنت من مؤسسي ك.د.ش، يوم أن كانت" الشمة بقطع الأنف"... وتلك الأيام نداولها بين الناس... وبدلا من" أشكو حزني وبثي" لله عز وجل، قررت فعل ذلك مع مصالح نيابة وزارة التربية الوطنية "لعلي آتيكم منها بقبس"، بعد أن بصمت في" ديوان الجند" في مقر عملي تنفيذا للمراسلة الوزارية عدد 162 بتاريخ 14 ماي 2008، وعملا بتوجيهات السيد الوزير والسيدة كاتبة الدولة بخصوص ورش محاربة ظاهرة الغياب في صفوف الموظفين والتلاميذ، رغم أنني لا أدرس ذلك اليوم، مساهمة مني في تفعيل مضامين البرنامج الاستعجالي الرامي إلى الرفع من وتيرة الإصلاح، الذي يظهر أنه دشن انطلاقته، باستهداف نساء ورجال التعليم، وأبى إلا أن ينكد عليهم فرحتهم بانقضاء سنة مليئة بالصعاب والمشاكل وارتفاع الأسعار وفشل الحوار ومن قبله فشل إصلاح منظومتهم التربوية، التي أصبحت فضيحتها على كل الألسن العربية والعجمية والأمازيغية، حتى لا نغضب السيد الدغرني، فليعلم أصحاب الأيادي الحديدية داخل القفازات الحريرية، بأن" ورش التوقيع"، ورش فاشل واستفزازي، ستكون له نتائج سلبية على معنويات الأسرة التعليمية، تعمق سوء الثقة الموجود بين القمة والقاعدة، وتقضي على بصيص الأمل الذي لاح بعد تعيين" السي أحمد" على رأس وزارة التربية الوطنية، حيث تفاءل الجميع بإستراتيجيته الهادفة إلى" قلب الهرم"، ولم نكن نظن أن سيادته سيتعاون مع السيدة الوزيرة ليهدم المعبد على رؤوسنا، ويقدمنا كبش فداء لفشل منظومة تربوية، اقتصر دورنا فيها على التنفيذ، ويقلب علينا المواجع بجراره القادم من سهول الرحامنة، وعلى كل حال، فالأسرة التعليمية تعرف" كيف تموت في الخط"، عندما تمس مصالحها... لا أحد داخل إدارة" أبو أيوب"، استطاع فك رموز الاقتطاع أو تفسير سببه، ونصحوني بالاتصال بوزارة المالية بالرباط، الجهة الوحيدة القادرة على فك طلاسمها ورموزها... ولا يزالون يتحدثون على اللامركزية وعدم التركيز. إنها لمفارقة غريبة، ففي الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن الزيادة في أسعار المواد الغذائية، وفي أثمان الأدوية والعلاجات الطبية، وفي سعر النفط ، وفي الأجور، وفي التوقيت الصيفي ،أخجل أن أكون نشازا وأتحدث عن النقصان، فهذا لا يستقيم... خرجت خاوي الوفاض من نيابة وزارة التربية الوطنية المنشغلة هذه الأيام بموسم "حصاد الأشجار"، نسجا على منوال الولاية التي شنت حربا شعواء على ما يسمى الشجرة، وأظن أن للجوار شروطا، وقرب نيابة وزارة التربية الوطنية من مقر الولاية، حتم تطبيق المثل الشعبي القائل" دير بحال دار جارك ولا بدل باب دارك"... لقد أرغمتنا إصلاحات المخزن على تغيير بابنا، وأصبحنا نلج مقر نيابتنا من الأبواب الجانبية كالخدم، ورغم ذلك أعدم ذ" أبو أيوب" أشجار النيابة، ونحن الذين كانت أرجلنا تدمى من كثرة الاتصالات من أجل قطع شجرة داخل مؤسسة ما، تهدد حياة التلاميذ، حيث كانت الإدارة تخرج لنا كل القوانين التي تمنع قطع الأشجار، بما فيها القوانين الموروثة عن الحقبة الاستعمارية كقانون" كل ما من شأنه..."، وعادة ما كانت الإدارة تكتفي بتسليمنا لائحة الجهات التي يفترض الاتصال بها قصد قطع الشجرة، وتنصب لجنة موقرة ومحلفة للسهر على مصير الخشب المقطوع وعائداته... يظهر أن في هذا البلد قوانين للعموم، وأخرى للخواص... يمكن أن نتفهم قطع الولاية للأشجار، وتعويضها بالنخيل، و" خدوج الخانزة"، لأن ذلك يدخل في" منطق المخزن"، هذا المنطق الذي يمكن أن يتغير بتغير الأشخاص والظروف، أما ما لا يمكن فهمه أو تقبله، هو سباحة نيابة وزارة التربية الوطنية في نفس التيار، ونهجها لسياسة تعرية ساحة مقر النيابة، ماحية بذلك" تاريخا شجريا" بأكمله، ومغيبة ذكريات وطقوسا وعادات كانت تربطنا ببعض الأشجار التي تحولت بالنسبة لبعضنا إلى مزارات لها حرمتها وبركتها، نتبرك بها ونلتمس كرامتها ونحن نسعى وراء انتقال، أو منصب إداري جديد يريحنا من تعب الممارسة الصفية، أو طرد نحس تكليف مفاجئ... وهي التي تدرس تلامذتها "الحفاظ على المنظومة البيئية" و تحتفل بعيد الشجرة، كل 10 ابريل من كل سنة... بالله عليكم أيها السادة المحترمون، كيف تغرسون الأشجار في فصل الربيع وتحصدونها في فصل الصيف، أو تتركونها تموت عطشا على أمل زراعة بديل لها في العام القادم!؟! لقد حظيت الشجرة منذ القدم باحترام الشعوب، بلغت حد التقديس لأنها تلازم الإنسان في احتياجاته اليومية طوال الحياة، وقد ذكر وصف الشجرة في كثير من المدونات القديمة والمؤلفات التراثية والكتب العلمية والبحثية، وفي لغة الشعر والأدب، وأكثر الأديان السماوية ذكرت قدسية الشجرة وأولها القرآن الكريم في سورة الصافات الآية (146) {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} وفي سورة الفتح الآية (18) {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}, وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً ، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة"، واكتفي بهاتين الآيتين الكريمتين، وهذا الحديث النبوي الشريف، حتى لا أصنف ضمن القوى الظلامية، ويطبق على قانون الإرهاب، أو تعتبر رسالتي هذه سبا أو قذفا في حق أحد، يستوجب تحريك المتابعة القضائية، في الوقت الذي يسعى البعض لتكميم الأفواه، وهذا موضوع آخر... لقد كبرت هذه الأشجار، التي تتعرض للذبح يوميا، معنا وكبرنا معها، لقد ورثنا بعضها عن فرنسا الاستعمارية، التي رغم رفضنا لاستعمارها شكلا ومضمونا، والتي لا زلنا نحتفظ بحقنا في مطالبتها بالتعويض عن استعمارها لبلدنا العزيز، ونهب خيراته، واستغلال ثرواته البشرية والطبيعية، لا بد أن نعترف لها بالحكمة، وبعد النظر، بغرسها لأشجار، كنا نطفىء جوعنا منها، ونداوي أمراضنا بها( شجرة الخروب، الرنج...)، ونحتمي من حرارة الشمس اللاسعة تحت ظلالها، ونكتب عليها أسماءنا وأسماء عشيقاتنا، ونقابل تحتها فارسات أحلامنا، ونهيئ امتحاناتنا متكئين على جذوعها بظهورنا النحيفة المنهكة من سوء وقلة التغذية، لقد ارتبطنا بالشجرة ارتباطا وثيقا، خاصة نحن الذين تربينا في البادية، قبل أن نلج المدارس، ونتعلم من أساتذتنا الأجلاء، بأن الشجرة توفر الظل، وتوثر على المناخ، بتلطيف درجة الحرارة، وتقلل الغبار في المدن والقرى، وتنقي الجو من غاز ثاني أكسيد الكربون، وتزيد الأكسجين، وتزين الشوارع والطرقات، وتخفف من الضجيج والأصوات المزعجة، وتصون التربة وتمنعها من الانجراف، وتنتج الثمار والبذور للإنسان والأعلاف المناسبة للماشية... كل هذا الزابور تعلمناه في المدرسة، ولا زلنا نعلمه لتلامذتنا، الذين عادة ما يستفسروننا عن هذا التناقض الفاحش بين المقروء والواقع، وما الحكمة الكامنة من وراء هذه الحرب على الأشجار، وما الفائدة المرجوة من تعويض شجرة الخروب والرنج بالنخيل؟ وليست لنا حساسية خاصة ضد النخيل الذي نعتبره شجرة مباركة، أهو الركض وراء جلب 10 ملايين سائح؟ أو الحنين إلى الصحاري؟ فاعلموا أن قلة الأشجار في أي منطقة يؤدي إلى خلل في التوازن البيئي في تلك المنطقة، على الرغم من أن الشجرة المنفردة قد لا تعتبر مفيدة للبيئة بشكل عام، إلا أن تجمع هذه الأشجار، يشكل مناخا مصغرا، يؤثر على الوسط المحيط إيجابا... فتأكدوا بأنه بهذه الوتيرة، وهذا الزخم الغريب في قطع والتخلص من الأشجار، سوف تساعدون على تصحير المدينة في أقرب وقت ممكن... ... ولقد صدق المثل الفرنسي القائل" إن الهم أو المصيبة لا تأتي أبدا وحيدة". لقد فقدت عشر حوالتي، وفقدت شجرتي المباركة، التي كنت أتبرك بها كلما زرت نيابة وزارة التربية الوطنية، إلا أن المصيبة المالية، يمكن تداركها أما الشجرة المباركة، فلن تعود أبدا، وسوف أحتفظ لها دائما في مخيلتي ببركتها وكرامتها، وسوف أدق على خشب جذرها المتبقى طردا للشر وإبعادا للحسد، وكل ما يمكن أن يصيبني وأنا أزور مقر نيابة وزارة التربية الوطنية.