مديرية الأمن: إنجاز 4 ملايين و696 ألف و69 بطاقة وطنية للتعريف الإلكترونية من الجيل الجديد خلال سنة 2024            الفصائل السورية تتفق مع أحمد الشرع على حل نفسها والاندماج مع وزارة الدفاع    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    النسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين بالفوج 39 للقوات المسلحة الملكية بجرسيف    المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على ثلاث مسائل في تعديلات مدونة الأسرة    التوفيق يقدم رؤية عميقة حول العلاقة التي تجمع إمارة المؤمنين بالعلماء ويُبرز آليات إصدار الفتوى في حالة مدونة الأسرة    احتفالا بالصناعة التقليدية المغربية.. حفل انطلاق النسخة الثانية من برنامج" الكنوز الحرفية المغربية"    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي        توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي        الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        أ. الدشيرة يفوت على ا. يعقوب المنصور فرصة الارتقاء للصدارة    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    السكوري: القانون التنظيمي يراهن على منع المشغلين من "شراء الإضراب"    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    تفاصيل التعديلات ال16 في مدونة الأسرة.. تضمنت تقييد الاعتراف بزواج الفاتحة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    الصين تكشف عن مخطط جديد لتطوير اقتصاد الارتفاعات المنخفضة    تركيا: مقتل 12 شخصا على الأقل في انفجار في مصنع ذخيرة    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي                مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    مختص في النظم الصحية يوضح أسباب انتشار مرض الحصبة بالمغرب    وعكة تدخل بيل كلينتون إلى المستشفى    الفتح يقسو على "الكوديم" بخماسية    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط        "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسيحيون في بلاط السلاطين المغاربة .. الضابط الفرنسي «إيركمان»، رجل ثقة السلطان مولاي الحسن الأول لحل العديد من المعادلات الرياضية والكيميائية قبل 1882
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 28 - 08 - 2010

ما الذي نعرفه عن المسيحيين في بلاطات السلاطين المغاربة منذ العهد الموحدي والسعدي؟!.. هل نعلم أن القائد الذي قاد بحنكة معركة وادي المخازن، مع السلطان عبد الملك السعدي، والذي أخفى وفاته عن جنده حتى يواصلوا انتصارهم، هو القائد والحاجب رضوان العلج، البرتغالي الأصل والمسيحي الذي أسلم بعد أسره، وأنه ساهم في الإنتصار على ملك البرتغال وقائدها في تلك المعركة الشهيرة، سلفستر؟!.. ما الذي نعرفه عن مسيحيي السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله؟!.. وعن الفرنسي عبد الرحمان دوسولطي؟!.. ما الذي نعرفه عن القائد العسكري إيركمان؟!.. إنها بعض من المساحات النادرة في تاريخ بلادنا، التي سنحاول تتبعها في هذه السلسلة من المقالات، من خلال الإعتماد على كتابات الفقيه السلاوي الناصري، صاحب كتاب «الإستقصا في تاريخ المغرب الأقصى»، وكذا كتابات الباحث الأنثربولوجي الفرنسي دولامارتينيير، الذي نواصل ترجمة رحلته في مغرب القرن 19.
في أول حصة سلطانية للرماية يحضرها الضابط الفرنسي [إيركمان]، نجح عاليا في أن يلفت انتباه السلطان مولاي الحسن [الأول] إليه. كان السلطان يتقن فن الرماية، حقيقة، أحسن من رامينا، لكن هذا الأخير، بعد حسن اتباعه لتفاصيل التقنية المستعملة، نجح في استيعاب الأمر تقنيا بفضل خبرته العسكرية. بل إن الفرنسي هذا سينجح بكياسة في أن يصحح أخطاء السلطان في الرماية، مما أثر في مولاي الحسن وجعله يهتم بإيركمان.
سيواجه الضابط الفرنسي مقاومة أشد، حين حاول إقناع المغاربة بتغيير آلياتهم العسكرية وإصلاحها، كانت الرؤوس النافذة في دار المخزن أصلب من الصخر. كان تكوين تلك الرؤوس العسكري متوسطا، مما تطلب من الرجل بدل جهد هائل، بصبر وحنكة. مثلا، مجرد تغيير فتيلة وكبسولة التفجير المدفعية، تطلب منه وقتا طويلا. كان الكل يقول له إن تقنيته الجديدة سوف تؤخر مدة إطلاق القذيفة وتغير من مسارها. لكن، المعرفة العلمية لضابطنا الفرنسي هي التي انتصرت في نهاية المطاف وأقنعت الكل بوجاهتها في هذا الميدان التقني العسكري المتخصص. النتيجة هي أنه قد تعاظمت مكانة إيركمان، وأصبح ملاذا للسؤال والإستفسار حول عدد من النقط العلمية والجبرية الرياضية والخرائطية، وأطلق عليه لقب : « الحكيم ».
كان السلطان [مولاي الحسن الأول] المغرم بالكيمياء، مثل أغلب العرب والمغاربة عموما، كثيرا ما يطلبه حتى في ساعة متأخرة من الليل. كان الحرس يقيمون الدنيا في أزقة المدينة، لفتح الأبواب، من أجل الإتيان بإيركمان، الذي أصبح رجلا يحوز احترام وتقدير الكل. حين يصل إلى القصر، فإنه يعبر تحت ضوء القناديل والشموع، معابر عدة وغرفا، يتراكم بها أثاث عتيق وجديد، أغلبه هدايا من سفارات أجنبية، وبعضه يعود لقرون غابرة. كانت هناك آلات بيانو، وأرائك مذهبة وساعات حائطية وعلب موسيقية، ثم يجد أخيرا السلطان مولاي الحسن [الأول] غارقا بين أوراق ومخطوطات عربية قديمة، يحاول إيجاد حل لمعادلة رياضية.
كان هناك مغربي مثير بدسائسه ومؤامراته، ينحدر من منطقة الريف، سبق وبعثه السلطان إلى فرنسا للدراسة بباريس، والتخصص في مجال ضرب النقود. وكان من بلادتنا [لاحظوا معي التعبير هنا من قبل دولامارتينيير - م - ]، أن عاملناه هناك كشخصية سامية. لقد تعرف المغربي هناك على علماء أجلاء مثل العالم «كاهور»، دون أن يفهم شيئا من أعمالهم. وحين عودته إلى المغرب، كلفه السلطان بإعداد مختبر للتجارب، لكن في ظروف جد غريبة. كان المخزن يحتاط من ذلك الريفي، وكان يخشى هروبه إلى شمال المغرب، الذي كان يهيئ له المجال للتمرد، فكان أن وضع في السجن. في كل صباح، كان جندي يأخده مكبلا بالسلاسل في قدميه للإشتغال في مختبر السلطان بالقصر. وفي عهدنا هذا [مابين سنتي 1882 و 1904 - م - ]، ما زلنا نشاهد بمراكش مدخنة عالية من الحجر المرصوف، التي بناها ذلك المغربي الريفي، في مكان قصي من قصر السعديين.
كانت شخصية ضابطنا العسكري [اليوتنان إيركمان]، قد بدأت تثير الإعجاب من الكل، وأساسا من السلطان. بل إنه حين تمت ترقيته إلى رتبة كابتان، سيتولى منصب قيادة المهمة العسكرية بكاملها [في المغرب]. كان ذلك نتيجة طبيعية للجهد الذي بدله الرجل في التأقلم جيدا مع الوسط المغربي. ورغم إتقانه للغة العربية، التي كان يتحدث بها بطلاقة، ورغم اندماجه الكامل في الوسط المغربي، بما فيه الوسط الشعبي، فإنه ظل حريصا في دواخله على نخوته الفرنسية العسكرية، وكان اندماجه ذاك سلاحا للتغطية ضد مكائد القصور السلطانية وخدمها. لم نكن نحن لنفرح بأكثر من ذلك، فذلك هو عز المنى والطلب [لننتبه للغة الكاتب. فهو يعترف أن الغاية هي حسن الإنسلال داخل دواليب القصر وفي نفس الآن الإبقاء على الهوية الفرنسية سليمة لمبعوثها، وعدم إغفال المهمة الأصلية للضابط الفرنسي، وهي تعزيز مكانة باريس لدى السلطان المغربي ومحيطه - م - ]. لقد كانت خطتنا السياسية سوف تربح كثيرا لو بقي الرجل في مهمته، لولا أن قرارا غريبا صدر سنة 1882، يقضي بضرورة التحاقه بفيلق من فيالقنا العسكرية الهامة بفرنسا، وهو القرار الذي لم يعجب السلطان مولاي الحسن، لأنه تم بدون أخد رأيه أو استشارته.
كانت مهمتنا العسكرية [بالمغرب] قد شهدت توالي عدد من المسؤولين العسكريين الكبار، لكن ذلك التغيير المتواصل في الرجال، قد أثر كثيرا على الغاية التي نسعى إلى تحقيقها. لهذا السبب سوف تتفتق فكرة هامة من وزيرنا [السفير الفرنسي بالمغرب]، الكونت دوبينيي، القاضية بتكليف الدكتور ليناريس، أساسا، بمهمة الوساطة بين بعتثنا الديبلوماسية في طنجة والقصر السلطاني، وتحريره من تراتبية بعتثنا العسكرية الصارمة.
في حوالي سنة 1886، سوف يبعث السلطان [مولاي الحسن الأول] بعثة من الشبان المغاربة للدراسة والتكوين في مجال الهندسة العسكرية، بمدرستنا المتخصصة في مدينة مونبولييه [بجنوب فرنسا]. ولقد كانوا تحت إمرة القنصل العام البرتغالي الأسبق السيد دوسي، الذي اعتنق الإسلام واستقر بالمغرب. عادوا بعد سنتين من التكوين والدراسة، ليجدوا أنفسهم غرباء في وسط مخزني منغلق ومتطرف، مما جعلهم يتعايشون مع طبيعة ذلك الوسط بشكله السلبي. أحد أولئك الطلبة المغاربة، هو إبن مواطننا عبدالرحمان دوسولطي الذي أسلم، وسبق لنا الحديث عنه بتفصيل. لقد سمحت تلك الرحلة إلى فرنسا لذلك الشاب بالإنفتاح على عوالم جديدة، وحين عاد إلى القصر، وجد نفسه تائها وحيدا مع زملائه الطلبة العائدين، ومن أجل التخلص من ذلك الجو الخانق والعودة إلى أصوله [التعبير الأسلم لغويا هنا، والذي يتقصده الكاتب هو «الإرتداد إلى أصوله الفرنسية» بمعناها الحضاري والسلوكي والفكري والعقدي - م - ]، فإنه التحق بطنجة، حيث عمل بالسفارة تحت إمرتي لسنوات طويلة. كانت نباهته وجديته، حاسمتين في العديد من الظروف، وقدم لي خدمات جلى في العديد من مهامي الديبلوماسية ورحلاتي وأبحاثي العلمية داخل المغرب.
غدا:
قصص من سفارات فرنسية إلى البلاطات السلطانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.