تحتفل نساء العالم اليوم 8 مارس بعيدها الأممي في أجواء تعرف الكثير من التغيير الملموس للمرأة المغربية و لمرأة الريفية بالخصوص؛ و تحضر النماذج التي يعرفها المجتمع، والتي رسمت و بصمت بأناملها صفحات على مدى التاريخ، ومنها نسجل دخول أول امرأة تتقلد تسيير الشأن العام، وتترأس المجلس البلدي للحسيمة.. إنها فاطمة السعدي. وبهذه المناسبة ندرج مقال الصحفي جمال بورفيسي: تمكنت فاطمة السعدي، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة من انتزاع لئاسة بلدية الحسيمة في أكتوبر الماضي، في ظروف خاصة؛ فلم تكن هناك مؤشرات تنبىء بقدوم هذه السيدة الشابة إلى رئاسة بلدية، ظلت طيلة العقود الماضية، حكرا على الذكور. فوز محمد بودرا، رئيس البلدية السابق، بمنصب رئاسة جهة تازةالحسيمة تاونات، واضطراره إلى مغادرة منصبه السابق، عبّدا الطريق أمامها لتتولى مهام تسيير مدينة محافظة. لم يكن انتخابها رئيسة لبلدية الحسيمة محل خلافات داخل مكونات المجلس، بل حظيت بالإجماع، بسبب شخصيتها القوية ، و سلوكها المتميز ، و هو ما جعل منها شخصية مقبولة داخل المجلس، وفي المدينة عموما. لم تضع فاطمة السعدي في دائرة اهتمامها الإنشغال بالحياة السياسية، بشكل مباشر، فقد انصب عملها على العمل الجمعوي والإنساني. ومن هذا المنظور لم تكن تنوي الترشح للانتخابات الجماعية التي جرت في 12 يونيو من السنة الماضية، لكن معارفها و أصدقاءها شجعوها على الترشح لما لمسوا فيها من قوة الشخصية، والسلوك القويم، و ما تحظى به من مستوى تعليمي وثقافي عال، يؤهلها لتسيير شؤون المدينة بنجاعة، وفعالية، وشفافية.. ترشحت باسم" البام" واكتسحت الانتخابات بحصولها على ما يقرب من 5000 صوت في مدينة محافظة. فوزها في الانتخابات أعطى الدليل على أن العقليات بدأت تتغير في الريف، وأن تولي تدبير شؤون المدينة، لا يمكن أن يقتصر على الذكور، لذلك قرر الناخبون في الحسيمة أن يصوتوا لصالح التغيير ، لفائدة امرأة معروفة بالنزاهة والاستقامة في السلوك والعمل. ورغم أنه لم تمض سوى شهور معدودة عى ترؤسها لبلدية الحسيمة، ولا يمكن تقديم تقييم موضوعي ونزيه لحصيلة عملها، إلا أن الرأي العام المحلي، أصبح راضيا عن الطريقة التي تدبر بها فاطمة السعدي أمور المدينة، بل إن العديد من الفاعلين الجمعويين و لسياسيين المحليين، أكدوا أن السيدة باشرت عملها بشكل موفق، و أنها أعطت الدليل على أن النجاح في التدبير ليس حكرا على الرجال، بل إن النساء يمكن أن يحققن نجاحا أكبر. أصبحت فاطمة السعدي أول أمرأة تشغل موقع تدبير شأن المدينة في الريف؛ و لم يأت ذلك من فراغ،، أو فرض من فوق، فللسيدة" مقدمات"، ولها" تاريخ" بالمنطقة، يشهد لها بالكفاءة والقوة والقدرة على خدمة المواطنين، وتدبير شؤونهم. لقد راكمت خبرة من مختلف الميادين: اشتغلت صحافية بالإذاعة الجهوية للحسيمة، وفي منتدى نوميديا للأسرة والتنمية بالناظور. وهي إلى جانب ذلك تحضر شهادة الدكتوراه في موضوع" تحالف الحضارات" بكلية الأداب التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط انصب اهتمامها في وقت مبكر على الفئات المحرومة والضعيفة؛ و لم تبخل في تقديم يد المساعدة لمن هم في حاجة إليها.. تعيش من أجل أن ترى الناس في مدينتها، و في الريف كله، سعداء، لا يعانون الحرمان والتهميش.. منذ انتخابها على رأس البلدية ضاعفت جهودها في سبيل خدمة المدينة، إذ أصبحت تتواصل باستمرار مع السكان، وقد تسهر في العمل إلى ساعات متأخرة من اليوم، هدفها هو تغيير وجه المدينة، و إعادة الاعتبار إلى المنطقة، وإخراجها من التهميش في إطار مسؤولياته، ونطاق عملها. أهم ما يميزها نكران الذات، و قاسمها الهموم والانشغالات بالآخرين.. انخراطها في العمل الجمعوي أكسبها تجربة ساعدتها كثيرا في تدبير شؤون الحسيمة.. ليس لها معارضون.. فالكل يصطف إلى جانبها لأنها متشبثة بالاستماع إلى انشغالاتهم وهمومهم، وترى أن التواصل المستمر مع الناس، هو الكفيل بمساعدتها على مواجهة التحديات المطروحة.. محليا، انتخابها رئيسة لبلدية الحسيمة أثار نوعا من الارتياح لدى السكان؛ لأنهم كانوا يعرفون السيدة، وما تمتاز به من أخلاق رفيعة، و قدرتها على مواجهة الصعاب والتحديات.. أوضحت في بداية تقلدها منصب رئيس البلدية؛ أن وصول المرأة إلى هذا المنصب يندرج ضمن دينامية التغيير التي يعرفها المغرب، كما يعكس المستوى المحلي التغيير الذي طرأ على العقليات، وهو ما جعل الناس يثقون كثيرا في قدرتها على تدبير شؤون مدينتهم، بكفاءة لا تقل عن كفاءة الرجال.. لقد بدأ وعي جديد يتشكل بالمنطقة يعيد الاعتبار لدور المرأة في التنمية، وفي النهوض بالمجتمع، وفي المشاركة السياسية. دافعت فاطمة السعدي عن توسيع مشاركة النساء في تدبير الشأن المحلي و العام، و رفع تمثيليتها داخل المؤسسات المنتخبة لقناعتها أن المرأة المغربية لها من الكفاءات ما يؤهلها للانخراط في دينامية بناء مغرب الحداثة والديموقراطية.. وفاة والدها أخيرا شكل ضربة قاسية لها، فقد ساندها في كل المحطات، ودعمها كثيرا خلال ترشحها في الانتخابات، وسعد لفوزها، و م يكتب له أن يواكب صفحة النجاحات التي تحققها ابنته.. وقفت إلى جانبه طيلة أيام مرضه، وأخذ منها اهتمامها بصحته وقتا كثيرا، لكنها واصلت عملها، وفتحت الملفات الصعبة التي تنتظرها، و منها ملف التعمير في مدينة" صعبة"؛ إذ لوبيات العقار تقف بالمرصاد، لكن تسلحها بالعزيمة، سيمكنها من مواجهة كل التحديات والصعاب