عبد الكريم سباعي / ... المقال، لا يستهدف مؤسسة، أو أشخاصا معينين، هو فقط تعرية لطابوهات أرى شخصيا أنه آن الأوان لتشخيصها، وتطويقها لتفعيل الحكامة يبدو أن كل شيء في منظومتنا التربوية يحتاج إلى التخليق. تجد الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياطي الاجتماعي CNOPSعلى أهبة الانهيار بسبب التلاعب في ملفات المرض والتحملات الطبية، وتزوير عمليات جراحية بمصحات خاصة. ثم تجد مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية FM6 تتلقى العديد من الشكايات، بسبب تحايل بعض المنخرطين ضعاف النفوس على برنامج نافذة، حيث باعوا الحواسب بعد أن استفادوا من دعم 2000 درهم، وبذلك يكونون قد حرموا آلاف المنخرطين الشرفاء من الاستفادة من خدمات المؤسسة لصالحهم، أو لصالح أبنائهم، والطامة الكبرى أن بعض نساء ورجال التعليم من زمرة المقصرين، يتبجحون بشرف المهنة، لكن هم أول من يعمل على تدنيسها، ومع ذلك تأخذهم العزة بالإثم، ويصرون على الفساد. وهناك بعض مؤسسات التعليم الخصوصي في بلادنا هي الأخرى تتغنى وتفتخر بجودة التعلمات والخدمات، لكن على حساب تلاميذ التعليم العمومي الذي أبى بعض نسائه ورجاله إلا أن ينغمسوا في نشوة الاسترزاق، في ظل غياب قانون زجر المخالفات الوظيفية، ودفن قانون القهقرى في الدرجة بسبب الإخلال بالمصلحة العامة. كما أن بعض الفاعلين من الجمعيات في مجال التربية غير النظامية ومحو الأمية، يتلاعبون باللوائح الإسمية للأفواج، ولا يلتزمون بمقتضيات الإطار القانوني للشراكة، وبالتالي يساهمون في هدر المال العام، وفي تفشي الأمية إلى ما لا نهاية. فهل سيذعن هؤلاء المقصرون لقرار الحكامة والتخليق؟، أم سيستمرون في عنادهم وتعنتهم، مرددين مقولة:" ما عندهم ما يديروا لي فعودهم يركبوه!!!". ويبقى السؤال مطروحا: لماذا لا تخلق الوزارة مرصدا لتخليق مهنة التعليم، على غرار مرصد حقوق الإنسان، ومرصد الشباب، ومرصد ذوي الاحتياجات الخاصة، ومرصد العنف بالوسط المدرسي، لا يرقى هذا المرصد إلى مفهوم" الشرطة التربوية" كما قال أحد الفضلاء، لأننا قوم" نخاف ولا نستحي" ولكن فقط من أجل استفزاز الضمائر الميتة، وإعادة إحيائها قبل سن التقاعد. وهنا تحضرني قصة قصيرة، لكنها طويلة الأبعاد، أتى بها أحد الأصدقاء الفنانين من البرتغال حين سافر إلى هناك لتقديم عرض مسرحي مشترك، مفادها أن أحد العمال كان يعمل تقنيا بإحدى الشركات، في إحدى القرى النائية، له مكتب يعمل بداخله، ويحتسب ساعات عمله اليومية بنفسه، بدون مفتش، أو مراقب؛ لأن أجرته الشهرية تحتسب حسب عدد الساعات التي أنجزها في المكتب. حل اليوم الأخير من الشهر، فأخذ سيارته، وانطلق إلى المدينة مقر الشركة لاستلام أجرته. حين دخل مكتب المحاسب، سلم له ورقتين، الأولى تحتوي على عدد الساعات الفعلية التي أنجزها داخل مكتبه، والورقة الثانية تحتوي على عدد الساعات التي يجب أن تُخصَم من راتبه، فنظر إليه المحاسب مبتسما، وقال للعامل: لم أفهم لماذا تريدني أن أخصم من راتبك هذه الساعات؟، فرد عليه العامل، إنها مجموع عدد الدقائق التي كنت أتناول فيها سجائري خارج المكتب.. فما كان على المحاسب إلا أن يخصم تعويضات تلك الساعات، وإلا ينعته العامل بالمساهمة في هدر أموال الشركة، والتلاعب بمصيرها، وغياب حس المواطنة. إذاً، ما بالنا نحن المسلمين أمة سيدينا محمد صلى الله عليه وسلم، الصادق الأمين ألسنا أولى بمثل هذه التصرفات؟ أم أن البعض منا لا يخرج من مصلحة، أو مكتب، أو إدارة، إلا وحولها إلى أرض محروقة، أتى فيها على الأخضر واليابس، ضدا على مقولة: اترك المكان أحسن مما كان قدر الإمكان، فإن لم تستطع فاتركه كما كان. خلاصة القول، إن منظومتنا التربوية حسب رأيي لا تحتاج إلى منتدى، أو ميثاق، أو برنامج، أو مشروع لإصلاحها، بل تحتاج إلا ضمائر حية، إلى إرادة قوية، ومواطنة صادقة، حتى نعيد اكتشاف ذواتنا، ونفكك التراكمات السلبية، من أجل تجويد تعليمنا، وتثمين التميز داخل مجتمع القيم.