عبد الحق مزواري / ... زمن ذل فيه العزيز و عز فيه الذليل. زمن الرداءة بامتياز. زمن سكتت فيه العقول و صدحت فيه العجول عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ": يأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و ديكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة. قيل و ما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة". و لعمري صدق الحبيب و لا أصدق من حديثه بين البشر قيلا. فلا يكاد يخلو مصر من رويبضة، فللسياسة رويبضتها و للعفن رويبضته أقصد الفن الفن و للرياضة رويبضتها و للعلم و الأدب رويبضتهما و للدين رويبضته... حتى أن المرء ليخال الأرض ضاقت بما رحبت به فلم تعد تحمل غير الرويبضة. و حيثما وليت وجهك فثم رويبضة يخطب و لا يكاد يبين. و ما أكثر أن تجد لكل رويبضة أتباعا يصدقونه و يدينون بديدنه... و خلافا لكل منطق تجده ذا حظ بين الحكام يزفونه إلى المجالس و يعلون من شأنه و يغدقون عليه من حيث لا يحتسب. و لا غرو أن مما يندى له جبين الإنسان الحق أن يشاد بالمحافل ب"دنيا" و "دينا" و"البيغ" و يصير الجابري و فاريا و المنجرة نسيا منسيا. فيموت الأولان و يحتضر الثاني و الحكام كما المحكومون نيام. زمن ذل فيه العزيز و عز فيه الذليل. زمن الرداءة بامتياز. زمن سكتت فيه العقول و صدحت فيه العجول. فصرنا لا نحفل بعقل الا بعد موته استحياء تارة و درءا للملامة أخرى و في جل الوقت رياء و نفاقا بينما تسمن العجول في حياتها و ترثى لنفوقها.. و الحال أن العقول إلى انقراض و العجول الى تناسل. فأي عبث هذا و أي منطق تساس به الدنيا؟ و إلى متى نصبر على الرويبضة بيننا أم أن الأمر لا يعدو أن يكون كما القدر لا نضج فيه قبل غثاء.