[email protected] إن المتتبع للشأن السياسي المغربي الراهن ومنذ تنصيب حكومة بن كيران يصعب عليه فكريا ومنطقيا وحتى أخلاقيا اختيار موقع ثابت سواء مع الحكومة أو سواء مع المعارضة. و هنا لا نعني بالضرورة المساندين والمتحزبين والمواليين للحكومة أو للمعارضة، والذي يعني لهم نجاح أي طرف هو بالأساس نجاحا لهم . فنحن نتكلم عن الفئة التي لا تحتاج إلى تبرير فكرها أو انحيازه المجاني والتافه لأي طرف ،نتكلم عن الشرفاء أصحاب الفكر الحر والراقي وان كانوا ينتسبون إلى تيار المعارضة أو تيار الحكومة . فنحن هنا نتكلم عن المساندين للقضية الأم والاهم من أي تيار أو تكتل أو تحزب ،وهم الموالين للوطن والمساندين للمواطن بالرغم من تحزبهم واختلاف تياراتهم وتنوع قراءاتهم . فمن الطبيعي أن يعرف المغرب مثل هذه التجادبات والصراعات ولاسيما في ضل دستور حداثي الجديد أعطى صلاحيات هامة سواء للحكومة او للمعارضة ، وفي ظل حكومة جديدة بقيادة حزب إسلامي شعبي . وذلك بديهي أن تدافع أي حكومة على قراراتها وتوجهاتها ومخططاتها وأن تراقب المعارضة عملها بتبيان أخطائها وهفواتها واقتراح بدائل ومشاريع لها . إلا أن ما أصبحنا نعيشه في ظل هذا الوضع من خلال قلب المواقع كون أهم تيار وحزب (العدالة والتنمية ) كان في المعارضة هو الآن في الحكومة وأهم ما كان يسير دواليب الدولة منذ حكومات قد خلت ( الأحرار منذ التأسيس على يد أحمد عصمان والاتحاد الاشتراكي منذ حكومة اليوسفي) أصبح في المعارضة . ما أصبحنا نعيشه هو التداخل في الفكر والممارسة والسلوك بين المعارضة والحكومة ،أي هناك ممارسات خاصة بالمعارضة وبأي معارضة مثلا : كأسلوب الاحتجاج الذي أصبحت حتى الحكومة الحالية تنهجه ،،والمقولة السياسية تقول ((أنه عندما تكن متحكما ومسيرا فلا يهمك احتجاج المعارضة بقدر ما يهمك نتائجك وتحقيق أهدافك التي تكون كرد سلس لمعارضيك)) ثم أن الحكومة الحالية برزت في مواقفها كأنها مدرسة لتلقين الدروس للمجتمع وهذا الموقف أيدناها خاصة في مقال لنا (( العدالة والتنمية وسياسة الأخلاق ) لكن لا يمكن أن نعتبر دائما أن المجتمع قاصر وبحاجة دائمة للدروس كيفما كان نوعها ومفروض عليه تقبلها ( الزيادة في الاسعار من جهة وربط هذه الزياده بالسيادة ) .فمهة الحكومة الحالية ليس إعطاء الدروس للمجتمع فقط بقدر اكتشاف بنية وصراعات المجتمع المغربي وتناقضاته والتعامل معها بذكاء ومسؤولية والتزام ومواطنة حقة . أما من ناحية المعارضة ،فيمكن لنا أن نسميها معارضة فارغة متدنية فكرا وممارسة لكونها بدل أن تشتغل في إطار موحد وفريد متشتتة وبدل أن تملك الفكر والإبداع لتساهم في تنمية الممارسة السياسية وبناء الدولة الحديثة في إطار الدستور الجديد أصبحت معارضة فقط لرد القول وليس حتى رد الفعل ،بدل الفعل الذي يجب أن يكون هو صمام اشتغال المعارضة . فأسلوب التهم والهجاء والشتم وان كان ذا قوة كبيرة في تحريك الشارع المغربي ومختلف فئاته الاجتماعية لكونه أصبح ينصب على الجانب الكوميدي وهذا أسلوب سلبي في التفكير ويقزم العمل والعملية السياسية في قالب هزلي شبه دائم ولا يخلق البدائل للعمل والرقي الفكري السياسي ،وإنما ينصب ويهدف لتشويه الصورة السياسية الحالية ،والطامة الكبرى هنا أن الفاعل السياسي (كما يرغب أن يسمى أي متحزب وان كان متخلف) فهو بتصرفه هذا يظن أنه ينتصر لحزبه أو لتياره، وفي المقابل يساهم في فشل الحزب المنافس وتقهقر شعبيته ،لكن في حقيقة الأمر أن هذا التصرف الناتج عن الفكر السلبي المبني على التهم والتشويه والمهزلة السياسية يؤدي بالأساس إلى فقدان الثقة في الحياة السياسية وعمليتها المصاحبة لها بصفة عامة وفي الشخص السياسي المسؤول بصفة خاصة . فهذه الفترة بينت لنا أنه ليس فكر المعارضة كان صائبا وصحيحا وسليما دائما وفي المقابل ليست حكومة بن كيران هي المظهر الوحيد للصراحة والصدق والمسؤولية دائما و أبدا. فصفة الكمال اختص بها الله عز وجل، لكن يبقى الرقي الفكري والأخلاق والممارسة السياسية المسؤولة والمواقف والقرارات الشجاعة الايجابية للوطن والمواطن... السبيل الوحيد للتصنيف خلال الأيام والسنوات المقبلة .