[email protected] إن الذي يجيل النظر في فضاء واقعنا الاجتماعي ، ليرى ببالغ الأسى وعميق الأسف خللا كبيرا وتقصيرا كثيرا في شأن رابطة الزواج المقدسة. و ليس يُغني التذمرُ والشكوى والتنديد والإدانة ، بقدر ما يستدعي الوضعُ وقفة تأمُّلية ودراسة متأنِّية ، تلامس مواطن الإخفاق ، وتستكشف وسائل و مهارات التواصل بين الزوجين ، إرساء لثقافة زوجية نوعية ، بعيدا عن الصراع والنِّدية . و في الوقت نفسه نُسهم في استقرار المجتمع وتقدمه ، حاضره ومستقبله ، خاصة والأسرة أهمَّ لبِناته . إن من المسلَّمات التي لا يتجادل فيها اثنان ولا يتنازع حولها عنزان كما يقال أن لقاء الرجل بالمرأة على بساط المشروعية وفراش الزوجية ، إنما الهدف منه ، أو لنقل أحد أهدافه ، أن تتحقق معاني السكن والسكينة والاطمئنان والألفة والاستئناس . لنُعِر أسماع قلوبنا لقول ربنا سبحانه حيث يقول ممتنا ومذكِّرا : " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة " سورة الروم ، الآية 21 علاقة زوجية يكتنفها الانسجام والتناغم والإفضاء بكل أشكاله ، ومن ثم تعين على كل طرف، الزوج والزوجة ، أن يسعيا ويبذلا جهدهما وطاقاتهما لالتماس الوسائل المقبولة والمعتبرة شرعا وذوقا ومروءة لتحقيق ذلكم المبتغى السني . ولست أجد أبلغ ولا أجمل للتعبير عن هذه المعاني من قوله سبحانه : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ولا يغيب عن الأذهان ما يحمل اللباس من دلالات الستر والدفء والتجمل ... ثم لا يفوتنا ، ونحن في سياق آية التساكن والتجانس بين الزوجين ، الإشارة إلى أمر لا يقل أهمية ، ذلكم هو التأمل والتفكر في بديع صنع الخالق جل وعلا . هي إلى جانب آيات أُخر مثل خلق السماوات والأرض ، اختلاف الليل والنهار ، اختلاف الألسن ، تنوع الألوان ، دوران الشمس ، وآيات غيرها منها ما اكتُشف ومنها من ينتظر ، ذلك كله لئلا تلهينا العادة ومتعة الزواج والاستمتاع ، عن التعجب مما هو من صميم كياننا الجسدي النفسي والوظيفي. لذا ختم الله تعالى ذكر آية المزاوجة بقوله : " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " . وعود على بدء ، نتطرق الآن إلى أهم ما يكرس لعلاقة الود والحب والتفاهم بين الزوجين ، وهذا هو بيت القصيد . على أن نلامس فيما يستقبل من حلقات مهرات وتقنيات أخرى من شأنها أن تفتل في الحبل نفسه . لقد خلق الله الإنسان وجعله جهازا معقدا ، كما جعل لكل تركيبته الخاصة به في جل مناحي شخصيته أو كلها . وعلى قدر فهم هذا الاختلاف يكون التواصل أو عدمه في العلاقات العامة. والأمر آكد في العلاقة بين الزوجين ، درءا أو تخفيفا من حدة الخلافات والمشاكل ، وتمتينا لآصرة التواصل ورابطة التفاهم . وحتى يكون الاختلاف بينهما اختلاف تنوع لا تضاد وجب استحداث فهم لهذا الاختلاف بشكل يفضي إلى تقدير الذات والكرامة الشخصية . همسات في أذن الزوجة : من خلال ما ذكر دعيني أهمس في أذنك ، أختي الزوجة ، إلى ما يلي : - أن الرجل يركز في تفكيره على أمر واحد ، فإن ألمت به نازلة قد يوقف كل شيئ ليصوب كل تفكيره فيها . وهنا إن لم تدركي هذا الأمر قد تؤولين تصرفه هذا باللامبالاة أو التهرب ومحاولة التنصل والتملص من أمور تبدو لك ذات أهمية . - لا يهتم الرجل بالتفاصيل ، بل يميل في تقليبه لأموره إلى معرف الخاتمة مباشرة . فإذا ما دعي لمأدبة عشاء مثلا فلا يسترعي انتباهه شكل ترتيب الموائد ولا طريقة تنظيمها ، وإذا ما سئل عن ذلك أعطاك جوابا عاما . - إذا أراد أن يثبت ذاته فلا يجد لذلك سبيلا أفضل من استعراض أعماله ومنجزاته ومشاريعه ، بل قد يتعدى ذلك ليعتبر أن ذلك من أولى أولوياته واهتماماته ، وهنا قد يتهم من قِبلك بعدم الاكتراث و انعدام الاهتمام . همسات في أذن الزوج ، ونفسي أعني : - أن المرأة ذات أسلوب خاص في التفكير بخلاف الرجل ، بحيث تفكر بشكل حلزوني . قد تجدها في المطبخ متيقظة إلى حسن تهييئه ، وفي الوقت نفسه تداعب طفلها الذي بين ذراعيها ، ثم هي تنادي أخاه الذي في الغرفة الأخرى أن يكف من شغبه . هذه الأعمال وغيرها تؤديها دونما إخلال في واحد منها . - إذا كنت تحب وتميل إلى مجمل الكلام وجوامعه فهي تميل وتأنس إلى تفاصيله وتفريعاته وأدق حيثياته . قد لا يهمك أنت شكل أثاث البيت ولا لون أستاره ولا طريقة تموضع أفرشته ولا لون جدرانه ، لكنها هي بخلاف ذلك تماما. - أنها بما أودع الله فيها من عاطفة قوية تناسب وظيفة حافظيتها ، والتي تعني فيما تعنيه ، تلبية حاجاتك ورغباتك ، فإن أهم ما يسيطر على كيانها هو رغبتها في أن تحس بالأمان معك والاطمئنان إليك والاستئناس بك . هذا صمام أمانها ، فلا تبخل عليها بمدحك وثناءك باشكال ووسائل تتناسب وتتناغم وتنسجم مع شخصيتها . كانت تلكم قرائي الأعزاء ، بعض الإشارات إلى بعض مواطن الاختلاف بين الجنسين ، وكأني بكما ، الزوج والزوجة ، وأنتما تقلبان وتتدارسان ما عرضت عليكما ، تتذكران أحداثا ووقائع وخلافات ، مردها إلى انعدام تفهم كل منكما لطبيعة الآخر ونفسيته وطريقة تفكيره ، فضلا عن طباعه وذوقه . من هذا المنطلق أدعو الواحد منكما أن يتقمص شخصية الآخر ، فينظر إلى الأمور من منظاره. بهذا تحققان الدفء النفسي ويزداد رصيد حبكما ، فتنالا الخير في عاجل أمركما و آجله . في الحلقة المقبلة إن شاء الله نتحدث حول التواصل بين الزوجين ، آلياته ، أدواته ، مقوماته ، آثاره ونتائجه . إلى ذلكم الحين أستودعكم الله والسلام عليكم .