ثلاثة و عشرون عاما على تأسيس الإطار السياسي و الإقتصادي لتكتل دول المغرب العربي تحت مسمى اتحاد المغرب العربي ،و سبع و ثلاثون سنة على انطلاق مسيرة شعبية اتجاه المناطق الصحراوية لتثبيت حق مشروع في أرض مغربية محتلة . بين التاريخين الهامين في دفاتر المنطقة السياسية و الجغرافية يبرز مشكل الصحراء المغربية كمحدد أساسي و هام في تشكيل قاعدة تشاركية بين دول المنطقة أو تأزمها، و يعتبر فتح الحدود البرية الفاصلة بين الجارين المغرب و الجزائر لبنة في بناء حسن النية لكن الغريب هو تصريحات المسؤولين الجزائريين المتناقضة معنى و مبنى،و التي تفصل فتح الحدود البرية عن مسار الاتحاد المغاربي و تعارض أي تدخل من طرف أي عضو في في هذا المشكل . فكيف يفهم النظام الجزائري معنى الاتحاد عندما يرى قادته أن مسألة الحدود هي ثنائية ولا تخص أحدا إلا الجزائر وحدها والمملكة المغربية؟ ومن هنا يمكن اعتبار هذا التوجه عقبة إلى جانب العراقيل الأخرى الموضوعة في طريق تقدم الاتحاد بين دول المغرب العربي. فالأمم المتحدة تشجع التقارب المغربي الجزائري و المملكة تمد يدها للمحاورة و المجاورة المبنية على الثقة و الأخوة ،لكن على ما نعتقد أن نظرية المؤامرة التي تسيطر على العقل التخطيطي داخل دواليب صنع القرار في الجزائر هو ما يبعث على مثل هذه التصرفات غير الحكيمة.و يمكن تفهم هذه النفسية بكثير من الحذر باعتبار أن الجزائر تعرضت لتجربتين استعماريتين الأولى من طرف الأتراك و الأخرى فرنسية، و ناضلت من أجل إثبات هويتها وتعزيز موقعها في المنطقة و العالم لكن خطأها كان قاتلا عندما اعتبرت المغرب عدوا و مثالا بارزا للمنافس الذي وجب محاربته ،و الذي ألصقت به عدة تهم في عرقلة مطامحها أو بالأحرى مطامعها.مركزة على استحضار ماض قائم على هيمنة الدولة و من ثم تجنيد عائداتها النفطية لتغذية تلك العقيدة و تلك النفسية،الدليل العملي الذي نسوقه هو التكفل بالوليد الذي تبنته "البوليساريو" باحتضانه و إعطائه جميع إمكانيات العيش فوق أراضيها ردحا طويلا من الزمن السياسي و الاقتصادي الذي حرمت منه أبناءها بالولادة. عندما نعود إلى أسباب انكسار و انحسار دور اتحاد المغرب العربي نجد أن مشكل الصحراء المغربية إلى جانب غياب الرغبة السياسية و عدم اكتمال النظرة المتكاملة للدور الاقتصادي الذي سوف يلعبه الاتحاد من أجل منطقة لا مكان لأعضائها في الانعزال ، كل هذا قزم الدور الذي كان سيلعبه الاتحاد من أجل تعزيز الاستقرار العابر لدول المنطقة ككل داخليا و خارجيا.لقد كان اجتماع مدينة مراكش بالمملكة المغربية الذي انعقد في 17 فبراير 1989 إيذانا بصياغة معاهدة المغرب العربي لتتبعها في يناير سنة 1990 أنشاء الأمانة الدائمة للاتحاد،بالإضافة إلى أكاديمية العلوم وجامعة مغاربية من نفس السنة و مصرف استثمار وتجارة خارجية في مارس 1991.و تستمر المحاولات الكثيرة من اجل لَمّ الشمل المغاربي باجتماع لجنة المتابعة في ماي 1999 و اجتماع وزراء الخارجية في مارس 2001 للتحضير للقمة المغاربية التي فشلت قبل الانعقاد و تأتي محاولة يناير2002 على اعتبار اجتماع القمة يكون في نفس السنة فيخرج الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة معلنا عن تأجيل القمة إلى اجل غير قريب. أول ما يتبادر إلى ذهن أي سياسي أو مراقب و متابع للشأن المغاربي هو كيف سيكون الوضع التفاوضي للمغرب والجزائر وليبيا وتونس مع الاتحاد الأوروبي لو ذهبت تلك الدول ككتلة واحدة جغرافيا و اقتصاديا و سياسيا ؟ و نتساءل عن الدور الذي ينتظر دول المنطقة في ظل تشكل النظام الدولي الجديد،هل ستتجه إلى الانعزالية و الانكفاء عن الذات؟ أو سوف تتكتل في الإطار الذي ارتضته مسبقا مع تطويره انسجاما مع المستجدات الدولية و الإقليمية؟ إن الكرة الآن في ملعب حكومة الجزائر على اعتبار أن المملكة المغربية انخرطت في اتجاه الانفتاح على دول المنطقة انطلاقا من رغبتها في حماية الاستقرار و تجنيب المنطقة سيناريو الفوضى و الصراعات الدامية ،إذن الاتحاد المغاربي فرصة لتفعيل ادوار التنمية في المنطقة و مواجهة لتحديات بات التكتل هو الكفيل لمحاربتها و القضاء على بذرة عدم الأمن و الاستقرار. في نفس السياق الجيوسياسي الذي تعرفه المنطقة بخصوص تداعيات ما يحدث في شمال مالي ،و عندما نرى أكثر من مرجع في العلاقات الدولية و مراكز البحوث المحترمة و مراقبون،يؤكدون أن البوليساريو فوق التراب الجزائري لها علاقات مع الجماعات المسيطرة في شمال مالي. نتساءل عن السبب الحقيقي وراء عدم قبول الجزائر التدخل العسكري بمعية دول افريقية و بدعم لوجيستي و استخباراتي فرنسي بحكم علاقات فرنسا مع المنطقة تاريخيا؟ بالرغم من أن الحكومة الجزائرية هي المتضرر نظريا من الوضع في شمال مالي.فدول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا تنسق استراتيجيا لدعم باماكو بهدف القيام بتدخل عسكري لاستعادة شمال مالي، في حين تدافع الجزائر باستمرار على حل سياسي لهذه الأزمة.و نحن نتشوق أن تكون هذه الرغبة الملحة في الحل السياسي حاضرة في الشق الخاص بفتح الحدود المغربية الجزائرية ،و الذهاب بعيدا في انتهاج طريق الحل السياسي المرتكز على مبادرة الحكم الذاتي الموسع في الصحراء المغربية. إنها أبواب للتحرر من إرث كان كارثيا على المنطقة و مثبطا لكثير من الأوراش التنموية كان من الممكن أن تكون حافزا لتقوية العلاقات بدل تجميدها،فالحسابات المبنية على مناورات لا تنتج سوى البعد عما يعيشه العالم و المنطقة و استدعاء سياسات لم تعد تجدي نفعا أمام الأزمات العالمية الاقتصادية و السياسية و العسكرية و الأمنية.و أسوأ ما نراه جليا أمام أعيننا ما يحدث على الحدود الجزائرية مع مالي، فالخوف من المجهول يتطلب القدر اليسير من حسن النية في مقاربة المعنى الحقيقي للاتحاد المغاربي و النظرة غير المتعالية للكوارث الإنسانية التي تحدث داخل مخيمات تندوف و إطلاق الخيال السياسي للنخبة في اقتناص الفرصة التاريخية من أجل نهج طريق الصواب و عدم النفخ في نار الانفصال التي طالما أطفأها المغرب بشتى الوسائل. من هنا تنتظر دول المنطقة تفعيل العلاقات والسياسات الخلاقة من أجل بلورة خارطة طريق واضحة للخروج من عنق الزجاجة التي وُضِعَت المنطقة داخلها، و استمرار الوضع الراهن يشكل خطورة كبيرة على الفاعلين كلهم .في السياق نفسه صرح المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة لمنطقة الساحل الإفريقي رومانو برودي عند زيارته للجزائر مؤخرا،بأن التدخل العسكري في مالي سيكون حلا أخيرا و يؤكد أن السلم في المنطقة لابد من تكاثف الجهود من أجل تثبيته. من هنا التذكير أن السلم و الاستقرار و الهروب من التدخلات العسكرية طريقه يمر من الاعتراف بالحقوق الشرعية و التاريخية و القانونية للمملكة في أرضها، و عدم دعم الأطروحات الانفصالية و المساهمة في تفعيل دور الهيكل الجامع لدول الاتحاد المغاربي من منطلق التكامل بدل الهيمنة و الاستئثار، فالمغرب لا يريد أن يتحمل خسائر ناتجة عن التغير في هيكل النظام الدولي وفوضوية التفاعلات الجيوسياسية في المنطقة و العالم،و دائما ما تعاملت المملكة المغربية مع المتغيرات السياسية بمنطق الفلاحة كل فصل و أوانه و كل تربة و منتجاتها .