افتح رئتيك مليّا وتنفس فأنت في بلاد "العراء, تحقق بعينيك وسترى .. كل سوءة كانوا يغطونها وكل معصية كانوا يستترون بها, واليوم ما بعد ربيع تونس تعرى العراة. يؤكد علماء "الأنتروبولوجيا" بان البشر أصلا يعيشون عراة, وكان قدماء اليونانيين يمارسون الرياضة عراة, كما تعني كلمة "جمنازيوم" تدريب العرايا. ولعل العالم الغربي كان المدرسة الأولى للعود الى التعرّي, لارتباط الثقافة الغربية بمفهوم الحرية المطلقة, التي لا حدود لها. ولكن الأديان كانت قد تصدّت لهذا التعرّي, من الاستنكار لكونه خطيئة, ولقد ربط "سفر أزايا" التعرّي بالفضيحة لما جاء فيه " "قاد ملك الاشوريون سجناء مصر، وأسرى اثيوبيا، كبارا وصغار، عرايا و حفايا، عارا على مصر." وكانت وصايا عيسى بن مريم تنادي بالتستر، والتأدب، والتحشم، والتعفف. والإسلام لم يبتعد على الدعوات الى التستر والتأكيد على مفهوم العورة, وهو ما يجب ستره امام الملأ. هذا في ما يخص ستر الجسد, فماذا لو ظهرت عورات الأنفس وجشاعتها, ماذا لو طلعت منا كل القذرات من ابسطها الى ابشعها, ماذا لو سقط ورق التوت من على عوراتنا وصرنا نمشي مثلما يرى علماء الأنتروبولوجيا, ومثلنا يتدرب الرياضيون في العصر اليوناني. ابدأ بالصفحات الاجتماعية, سترى الحديث إلا بالنصف الأسفل, والحوار ليس سوى خطاب بين قذارتين.. ومسكينة الأم فكم من كلام بذئ وصلها, وكم من حقير تحدث فيها بما لا يكرم البشر... وانظر في تفاصيل ما يكتب وما يقتسم المثقفون على هذه الصفحات, أغلبها دعايات كاذبة وإشاعات مغرضة, يبيتون ليال ليصنعونها و تقتسمها العقول الصغيرة لجعلها حقيقة. رئيس الوزراء السابق يدعوا رئيس الوزراء الجديد في جلسة عمل "دولة" لتسليم الحكم, يضع له كاميرا خفية يسجله يوجه معه الحديث في اتجاهات يريدها هو, ثمّ لغاية اسقاط الدولة يقوم بنشر التسجيل, هل حدث هذا التعري في دولة ما؟ ابدا. نقابي يدعوا علنا على الفضائية بقتل منتسبي حزب معيّن ويصفق له الكثير.. والتعرّي لتظهر غريزة الموت المتأصلة عند الكثير. مواطنون يسقطون علم الوطن علم "الدولة" ويضعون مكانه علم دولة أخرى, انه العراء والإفصاح عن حقيقة الخيانة عند البعض. منظمة شغيلة عتيدة, تسخّر نفسها وقواعدها لضرب الدولة في العمق, بتعطيل المؤسسات والمغالاة في المطلبية والإصرار على الزيادات في الأجور بطريقة لا تقدر عليها حتى خزائن دول الذهب الأسود, وكل ذلك من أجل اسقاط الحكومة واصطفافا حزبيا واضحا, لتتعرّى هذه المنظمة التاريخية التي ساهمت في استقلال تونس وفي صيانتها في زمن ما لتصبح مجرّد حزب سياسي ولكنه يضرب المواطنين لتسقط الحكومة ويحكم طرف آخر. 23 اكتوبر, والذي من المفروض ان يكون يوما فاصلا في تاريخ تونس اذ جرت فيه اول انتخابية حرة نزيهة, إلا انهم ارادوه يوم الدم, ويوم الفوضى بدعواتهم المتتالية للخروج لإسقاط الدولة, ويدعون الى ذلك في الأعلام بجميع وسائله. الكل يتعرّى, والقانون كل يوم يسقط, والتأسيس لمنطق الغاب يبنى في منطقة كأنها الغاب, وفي بلد كانت تحكمه عصابة بالنهب والسرقة والترهيب والقتل, فتعلّم الناس منطقهم, وأكثرهم خطورة هم هؤلاء الساسة الذين تربوا في حضن بن علي وعصابته, ومنهم من كان جزءا مباشرا وفعالا في هذه العصابة. القانون يتّم قتله, والحكومة تبحث عن موازنات داخل منظومة حقوق الإنسان, وأيضا داخل مفاهيم البحث عن الاستقرار والسلم الاجتماعيين, ولكن هذا المنطق كان ضعفا وخطأ فادحا ليتجرّأ الجميع على اسقاط القانون مثلما اسقطه اساتذة القانون الدستوري بالمجلس التأسيسي يوم 9 افريل. الحقيقة واضحة وضوح الشمس, فالساسة الذين يتواجدون اليوم في الساحة التونسية, اغلبهم تربى في مدرسة بن علي القمعية الإرهابية, المتسلطة, وتعلموا منها كيف يجب ان يكونوا هم على رأس السلطة او يخربون البلد, كيف يسرقون الشعب, كيف يوهمونه بانهم الأفضل, كيف يردعونه وكيف يحرقون البلاد... لذلك فهم أصلا عراة.. وقد تعرّوا على عراهم. ** [email protected]