فى حالة نادرة على مستوى العالم، استطاع فريق طبى بمستشفى سعد التخصصى بالخبر بالسعودية الحفاظ على حياة جنين لأم متوفاة دماغيًّا منذ أربعة أشهر، إلى أن تمت ولادته بأمان تام وصحة جيدة بعد 28 أسبوعًا ويومين من بداية الحمل. وقال الدكتور سامر قارة استشارى ورئيس قسم العناية المركزة والمدير الطبى لمستشفى سعد التخصصى، أن المريضة تبلغ 38 عامًا، وقد تم تحويلها من أحد المستشفيات إلى سعد التخصصى منذ أكثر من أربعة أشهر، وهى فى حالة متدهورة للغاية، وكانت تحمل فى أحشائها جنينًا عمره 11 أسبوعًا لحظة دخولها المستشفى. بدأت قصة المريضة مع المرض منذ إصابتها بالتهاب فى الأذن الداخلية نتج عنه صداع شديد، وتطور الأمر إلى ارتفاع شديد فى درجة الحرارة أدخلت على أثره أحد مستشفيات المنطقة الشرقية، وبعد أسبوع تدهورت حالتها فانتابها إعياء شديد نتيجة إصابتها بمرض التهاب السحايا (التهاب الأغشية المحيطة بالدماغ)، وتورم الدماغ. وبناءً على طلب أهلها، كما يستطرد د.سامر، تم تحويلها إلى مستشفى سعد التخصصى، وكانت حالتها متدهورة للغاية، حيث وصلت إلى الموت الدماغى، الأمر الذى أدى إلى فشل جميع وظائف الغدد المفرزة للهرمونات الأساسية. وقد ألحقت بالعناية الفائقة بسعد، وتم وضعها تحت جهاز التنفس الصناعى، وأجريت لها جميع الفحوصات الطبية (الإشعاعية والمخبرية)، كما جرت مراقبة الأملاح والسوائل المعدنية (مثل الصوديوم والبوتاسيوم وغيرها) داخل جسمها بانتظام. ويضيف المدير الطبى لمستشفى سعد التخصصى، أنه جرت متابعة تغذية الأم عن طريق التغذية الصناعية، والمحافظة على حركة الأمعاء دوائيًّا، كى تتناسب مع حاجة الجنين إلى السعرات الحرارية المطلوبة، وتم إعطاؤها جميع المضادات الحيوية، لكن لشدة المرض وتورم الدماغ حدث الموت الدماغى، مما جعل أهم أولويات الفريق الطبى المحافظة على الجنين داخل أحشاء الأم قدر الإمكان، مراعاةً للأعراف الدينية والطبية. وعن حالة الجنين داخل رحم الأم يوضح الدكتور عدنان عاشور استشارى طب الأم والجنين ورئيس قسم النساء والتوليد بمستشفى سعد التخصصى أنه منذ دخول الأم المستشفى وثبوت الموت الدماغى لها تمت المتابعة الحثيثة لصحة الحمل، مع التقييم الدورى على مدار الساعة لحالة الجنين. وأشار الدكتور عاشور إلى أن التنسيق كان دائمًا ومستمرًّا مع فريق العناية المركزة لمراجعة جميع العقاقير والأدوية المستخدمة للتأكد من ملاءمتها للحمل وعدم الإضرار بالجنين، مع مراعاة كل الظروف التى تضمن تدفق الدم إلى مشيمة الجنين، وشملت أسابيع المتابعة الصور التليفزيونية فوق الصوتية المتكررة. وأكد الدكتور عدنان عاشور، أن الفريق الطبى الممثل لأقسام العناية المركزة وطب الأم والجنين والعناية المركزة للأطفال حديثى الولادة وطاقم التمريض اجتمع أكثر من مرة مع زوج المريضة لمراجعة كافة السيناريوهات المحتملة، وتم الاتفاق على الولادة الفورية فى حالة توقف قلب الأم أو التدهور المفاجئ فى صحة الجنين. وبعد ثمانية وعشرين أسبوعًا ويومين من بدء الحمل لوحظ التراجع الوظيفى لمشيمة الجنين وتوقف نموه، حيث أفاد التقييم الدقيق للجنين التراجع الحاد لتدفق دم المشيمة، مما انعكس على كمية الماء (السائل الأمنيوسى) المحيط بالجنين، مع ملاحظة بدء التدهور فى الوظائف الحيوية له. وبملاحظة هذا التدهور الصحى لحالة الجنين، كان قرار الفريق الطبى بالإجماع بضرورة إجراء عملية قيصرية لولادة الجنين فورًا، وتمت الولادة بسلام لمولود ذكر ملأ صراخه جنبات حجرة العمليات مؤيدًا لقوله تعالى: 'يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويحيى الأرض بعد موتها' (صدق الله العظيم). وقد تلقى الأب خبر ولادة مولوده بمزيج من المشاعر المختلطة، منها الفرحة بقدوم المولود، وكثير من الأسى والحزن على زوجته التى فقدها منذ أربعة أشهر. وعن حالة المولود يقول الدكتور عصام سعد استشارى العناية المركزة للأطفال حديثى الولادة بالمستشفى: عقب الولادة، تمت مساعدة الطفل بجهاز التنفس الصناعى ذى الذبذبات العالية (HFO)، وأعطى علاج (surfactant) الذى يساعد على نمو الرئة، وأجريت له تغذية وريدية، بالإضافة إلى الفحص الدورى الشامل والمتواصل كل دقيقة باستخدام أجهزة ذات تقنيات عالية للغاية. وأضاف د.عصام، أنه تم إجراء فحص الموجات فوق الصوتية على دماغ الطفل وقلبه، وأجريت كافة تحاليل الكلى والكبد، والتى أفادت بسلامة جميع الأجهزة الداخلية الخاصة به، كما جاءت النتيجة طبيعية لكل الفحوصات التى تم إجراؤها حتى الآن، والخاصة بالالتهابات. واختتم الدكتور سامر قارة الحديث قائلاً إن حالة هذه المريضة تعتبر من الحالات الفريدة من نوعها على مستوى العالم، ولم تحدث بتفاصيلها وبمدتها فى أرقى مستشفيات العالم على مدار التاريخ الطبى، وذلك بمراجعة جميع الحالات المماثلة لها على مستوى العالم. وقد حدث هذا الإنجاز الطبى بفضل من الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل الرعاية الطبية المتكاملة فى مستشفى سعد التخصصى.