الوقت مبكرا والقمر ما زال يمنح نوره على الارض معوضا غياب الشمس التي ما تزال مستترة وراء الجبال، النهار يتنفس خجولا والليل يزيح ستارته بتؤدة حتى لا نعرف كيف تنازل للنهار عن حلكته. انها ساعة اللقاء والوداع ما بين القمر والشمس يتصافحان معا ويغادران بعضهما بأمل اللقاء، رغم اختلاف اتجاهاتهما الا ان كل منهما يعرف دور الاخر واهميته. كثير من المرات نحتار حين نختار، حتى لا نصاب بالندم لان الحياة اصبحت ضيقة، واوجهها الاربعة قاتمة، يكون الواقع اشد بؤسا اذا كان الضرب قاسيا وعلى منابت الوجع. ما اصعب ان تمضي نهارك وليلك في مكان واحد لا يجمعك فيه الا الملل وقلة الحيلة. اللاجئ السوري لم يكن محتارا حينما غادر بلده خوفا من آلة الحرب وقسوتها، حتى وجد نفسه في مواجهة عدو اخر، عندها لا بد له ان يحتار وهو يختار بين عدو يتميز بجغرافية المكان القاسية وصحراويته وصعوبة التأقلم فيه، اذ ان خروج اللاجئ لم يكن من اجل ان يواعد حميمية اللقاء بين الشمس والقمر كما لم يكن من اجل ان يسكن في مكان زيتونه غير ناطق بالثمر او الزيت، ولم يكن كذلك على موعد مع الحياة البدائية بكل تفاصيلها المرة. في مخيم الزعتري، يحدث ان يسير طفل صغير بعمر السنة بحذاء فردتيه غير متوافقتين بالالوان وارتفاع الكعب لانه خرج محمولا على الاكف وغاب عن والدي محمد انه سيباغتهم ويسير قبل ان تحل مشكلة وطنه، متعثرا بخطاه وهو يسير على الرمال التي تعصف عليه وتجعله يكابد مبكرا مرارة الكبار من قادتهم. احد الضيوف العابرين الى المخيم كان يسير خجلا وهو يتأبط ربطة من الخبز العربي وكان يزور احد معارفه في مخيم الزعتري، وكم كان يتمنى لو انه يستطيع ان يمسح لهفة وشوق الطالبين للحياة ممن يقابلهم من سكان المخيم هكذا كان يحدث نفسه، ولم يكن يخطر على باله، أنه سيقابل بكل هذا الترحيب ممن يعرف ولا يعرف بالسلام والكلام حتى تبين له ان الاحتكاك به كان من اجل ربطة الخبز التي يحملها وليس من اجله، وانه استطاع ان يلبي لهم بعض من شوقهم لخبز اعتادوا على تناوله بدلا من الخبز الذي يقدم لهم مع الوجبات. احدى الصغيرات ممن نحتك بهن اخبرتني انها ملّت أكل الدجاج مع انها استدركت بالحديث وقالت لي ان الدجاج او الفروج كان من الطعام الذي يقدم في الاعياد والمناسبات حين كانت في قريتها. تنفسنا الصعداء بعد ان استعادت احدى القاطنات بالمخيم طفولتها من مستنقع الزواج المبكر وبعد ان تحدد موعد زفافها في اخر لحظة. الاطفال بالمخيم يرفهون عن انفسهم بترديد الاغاني الوطنية والاحتفاء بالشهيد والثورة الحقيقة ان المنظمات الانسان تقدم الكثير من الجهود في رسم الابتسامة وفي التخفيف من معاناة التشرد بتوفيرها الخدمات الكثيرة حتى تصبح الحياة ممكنة على ارض المخيم.