"ثورة الإنترنت والحرية الافتراضية" كانت عنوان مائدة مستديرة نظمتها وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية في العاصمة الدوحة، لا لمناقشة معالم الثورة التي أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي فحسب، بل محاولة لاستشراف مستقبل لا تزال تداعيات الثورة الافتراضية تلقي بظلالها عليه، وتلقي بتحدياتها أيضا على وسائل إعلام تقليدية لتطوير أدواتها واستيعاب الوافد الفضائي ضمن أدوات خطابها، وعلى قانونيين أيضا لسن تشريعات قانونية توازن بين "جدل الحرية والسلطة". لم يكن الساسة وحدهم، ولا النخب السلطوية في الوطن العربي، من فاجأتهم قدرة أدوات الإعلام الجديدة ووسائل الاتصال الاجتماعي ومستخدمي الفيسبوك والتويتر على المساهمة في دفع الجماهير العربية إلى الشوارع. بل كان ثمة مثقفون كثر يعاينون هذا التأثير، ويتأملون معه عجز أدواتهم التقليدية في التأثير على الشارع، وعى كثير منهم أثر وسائل الاتصال الحديثة على الربيع العربي، وجهد كثير منهم للحاق بركب وسائل الاتصال الاجتماعي منشئين صفحاتهم عليه لعل الفجوة مع الشارع تضيق قليلا. وقال راعي المائدة وزير الثقافة والفنون والتراث القطري حمد بن عبد العزيز الكواري، إن بلاده استشرفت مبكرا تحولات الإعلام الجديد، معلنا عزم حكومته إصدار قانون الأنشطة الإعلامية قريبا، مشيرا إلى استجابته لحرية التعبير على الإنترنت، معتبرا أن حرية التعبير الركيزة الأولى للقانون المزمع إصداره. هاجس عالمي ولا يبدو هاجس "حرية التعبير على الإنترنت" عربيا فحسب، فالآخر الذي قطع شوطا بعيدا في إنجاز حرياته ومن ضمنها "التعبير" يزعجه تضييق محتكري الإنترنت على تدفق المعلومات. وهو ما عبرت عنه، ضيفة المائدة أستاذة القانون بجامعة جورج واشنطن وصاحبة كتاب "الحرية الافتراضية" داون نونسياتو التي ترى أن مزودي خدمات الإنترنت يعملون "حراسا لبوابات مجمل محتوى الإنترنت" منتقدة حكومة بلادها (الولاياتالمتحدة) لإسنادها الرقابة لمزودي خدمات للإنترنت. وحسب نونيسكو، فإن الإشكالية التي تطرحها السلطات المعطاة لمزودي الخدمة هي "في أي ظروف يمكن لهؤلاء استخدام سلطاتهم التقديرية لتحديد أي محتويات يسمحون بمرورها وتلك التي يحجبونها"، لافتة إلى أن على الحكومات أن تفرض على مزودي خدمات الإنترنت الواجب القانوني المتمثل في تيسير وصول كل المستخدمين إلى كل تلك المحتويات التي قد تكون قانونية في بلادهم. من جانبه يسلم أستاذ القانون بجامعة قرطاج بتونس د.غازي الغرايري بأن "المكانة الهامة التي يحتلها الفضاء الرقمي والافتراضي في حياة مجتمعاتنا الحديثة أمر مفروغ منه، مراعيا اختلاف نسبة الارتباط بالشبكة العنكبوتية بين دولة عربية وأخرى". وإذ يقر الأمين العام للأكاديمية الدولية للقانون الدستوري بمحاولة أكثر من نظام الحد من ولوج مواطنيه إلى الإنترنت، فإنه بالمقابل يرى ضرورة وأهمية أن لا يغيب عن ديناميكية البناء الدستوري الجديد لدول عربية أعلنت نيتها في وضع دساتير جديدة كالجزائر وموريتانيا، أن سياسات التعتيم الإعلامي "لم تكن أكثر من ضربة سيف في الماء". غرفة أخبار وإذا كانت ثورة الإنترنت قد طرحت تحديها على السلطة المستبدة فإنها بالقدر نفسه ألقت تحدياتها على الإعلام برمته. وفي مقاربة لهذه التحديات يرى مدير تحرير الجزيرة نت محمد المختار أن الإعلام في تحولاته الجديدة قد جعل من العالم كله غرفة أخبار، إذ أصبح المواطن العادي يبث صوره ومقابلته ويتقمص دور الصحفي، وأصبحت الكاميرا الرقمية أيضا على رخص ثمنها وسيلة صحفية فعالة بيد المواطن. وأشار إلى أن الزائر لموقع الجزيرة نت (نموذجا) هو أكبر مصحح للمعلومة، وهو مشارك أساسي في صناعة الخبر وإثرائه وتوسيع آفاقه عبر إعطاء معلومة هي طرف خيط للقصة الصحفية. وحسب محمد المختار، فإن الإنترنت حل معضلة إعلامية اسمها شاهد العيان ليصبح هو بما يبث من صور وما يمنح من معلومات شاهد بيان. وفي مقاربة فكرية لإشكالية الاستبداد، يعتبر محمد المختار أن الإنترنت قهر الاستبداد "لأن هذا العالم الافتراضي لا يمكن التحكم فيه، وهو من جسد الحرية قبل أن تتجسد في أرضنا، فهو الذي لم يعبأ بوزارة الداخلية ولا قوانينها".