وأخيرا خرجت جماعة "العدل والإحسان" عن صمتها وأعلنت على موقعها الإلكتروني موقفها الرسمي من قضية نشر لائحة المستفيدين من الكريمات في افتتاحية بعنوان "الحرب على الفساد.. من هنا تبدأ". فبعد أن أدلت أغلب الفعاليات السياسية والمجتمعية والحقوقية بآرائها في الموضوع، ظل موقف العدل والإحسان الرسمي غامضا وغير واضح، والموقف وإن جاء متأخرا بعض الشيء، فله أهميته في السجال الدائر لكون العدل والإحسان من أول الحاملين لشعار إسقاط الفساد، ومن أقوى الداعمين لمبادرات إسقاط الفاسدين ومحاكمتهم. كما تابع الجميع تضاربت ردود الأفعال والآراء بعد إقدام وزير التجهيز ذ عزيز رباح على نشر لوائح المستفيدين من مأذونيات النقل بين: 1- من رأى في الإجراء جرأة غير مسبوقة من حكومة ابن كيران، وتفعيلا جديا لمضامين الدستور الجديد وانتصارا للتغييرات التي جاء بها، وعلى رأسها حق المواطن في الوصول إلى المعلومة حسب الفصل 27، وخطوة أولى على درب إسقاط الفساد ومحاربة اقتصاد الريع، التي رفعها حزب العدالة والتنمية في حملته الانتخابية،.وهذا رأي أغلبية وزراء العدالة والتنمية الذين يرون فيه كما قال وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي:"خطوة أولى في إطار تعزيز مسار الشفافية وضمن محطة الإصلاح الشمولي والمتكامل والمندمج لنظام الرخص والامتيازات يندرج في سياق التزام حكومي سابق بضمان حق الولوج إلى المعلومة وترسيخ قواعد الحكامة الجيدة كما ينص على ذلك الدستور"، ويشاطرهم الرأي بعض وجوه المعارضة كالنائب البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حسن طارق، الذي ثمن الخطوة وعدها"خطوة مهمة تعتبر بمثابة وفاء للحكومة بالتزام قطعته على نفسها بمحاربة الفساد" مخالفا رفيقه محمد اليازغي الكاتب الأول السابق، الذي صرح أن اللوائح أعدتها حكومة عباس الفاسي و كان نشرها مجرد مسألة وقت، كأن 15 سنة قضاها حزبه في الحكومة لم تكن كافية!!! 2- من رأى في هذه الخطوة خرجة إعلامية شعبوية، يريد الحزب أن يزايد بها على الأحزاب المعارضة ويحرج الفاعلين السياسيين، ولا تعدو أن تكون حملة من الحملات كالحملات التطهيرية، التي شنها إدريس البصري في عهد الحسن الثاني، وهذا للأسف رأي حتى بعض الأحزاب المشاركة في الإئتلاف الحكومي، وعلى رأسها حزب التقدم والاشتراكية الذي قلل من أهمية الخطوة على لسان نبيل بن عبد الله أمينه العام -الذي يتولى حقيبة السكنى والتعمير وسياسة المدينة في الحكومة-. الذي اعتبر أن استئصال مظاهر الريع لا يجب أن يعالج "بخرجات إعلامية منفردة. بل من خلال تصور شمولي للحكومة بكاملها. في نطاق الالتزام بالبرنامج الحكومي ومحتوياته كافة"، في حين التزم باقي شركاء العدالة والتنمية في الحكومة خاصة حزبي الاستقلال والحركة الشعبية الصمت، لأسباب يرى البعض أنها تعود أساسا لكون مناضلي الحزبين من أكثر المستفيدين من هذه "الكريمات". 3- ومنهم من شكك في قدرة الحكومة على محاربة الفساد، ما دامت عاجزة حتى عن كشف أجرة مدرب المنتخب الوطني غيريتس رغم ما أثاره من ضجة إعلامية، ويرى في نشر اللوائح –خاصة أنها كانت معدة سلفا كما قال اليازغي - خطة مدروسة للتغطية وامتصاص الزوبعة التي من المتوقع أن يثيرها نشر كتاب الصحافيين الفرنسيين إيريك لوران وكاترين غراسيي "الملك المستحوذ"، الذي يتحدث عن تفاصيل هيمنة المؤسسة الملكية بأذرعها المالية والاقتصادية على الثروة في المغرب،وعن حجم الامتيازات الضخم الذي تحظى به من ميزانية الدولة. حيث خلص الكاتبان في تحقيقهما الصحفي إلى أن: الملك يعتبر "المصرفي الأول" في المغرب، و"المؤمن الأول"، و"المزارع الأول"، والمتحكم في صناعة المواد الغذائية وتجارة التجزئة والطاقة... وأنه لا يستحوذ فقط على أهم الاستثمارات في قطاعات متنوعة من اقتصاد المغرب، وإنما يحظى أيضا بميزانية خاصة تقتطع من ميزانية الدولة العامة تتمثل في "ميزانية القصر" التي لا تخضع للمناقشة داخل البرلمان، ومن هذه الميزانية يصرف للملك راتب شهري قدره الكتاب بنحو 40000 دولا أمريكي ( نحو 35 مليون سنتيم)، وهو ما يجعل راتب ملك المغرب يفوق راتب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، وراتب الرئيس الفرنسي مرتين " والعدل والإحسان لم يخرج موقفها عن سياق مواقفها المبدئية المعروفة التي سبق نشرها (1)، فهي وإن اعتبرت الخطوة "بادرة طيبة، تستحق التشجيع" على لسان د عمر إحرشان، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية، لكنها اعتبرت محاربة الفساد "كل لا يتجزأ وفضحه يجب ألا يتم بطريقة انتقائية تستثني البعض الغارق في ملايير من المال الذي يفترض أنه عمومي ويجب أن يدخل خزينة الدولة ليصرف على أبناء الشعب" وهو نفس ما أكدته "ولنا كلمة"-افتتاحية الموقع- بشكل واضح وإن كان غير مباشر، حين تحدثت عن السياق العام لهذه الخطوة أي سياق الربيع العربي، الذي جاء لإسقاط التحالف الاستراتيجي بين الفساد والاستبداد " فالربيع العربي لم يكشف عن حجم الاستبداد الجاثم على هذه الأمة من محيطها إلى خليجها وحسب، بل كشف عن هول سرطان الفساد المستشري في أوصال أوطاننا، فقد تجمعت السلطة والثروة في يد أنظمة الجبر المتسلطة على رقاب الأمة، فأنتجت أسوأ وأبشع أنواع الديكتاتورية والاستبداد، وأسوأ أنواع الحاكمين الذين لا هم لهم إلا تكديس الثروات ونهب المقدرات بشتى الوسائل والأساليب"، والعدل والإحسان وإن رأت في نشر اللوائح خطوة ضرورية ومطلوبة، فهي تعترف بصعوبة إسقاط لوبيات الفساد بشكل كلي، إن تم التعامل بانتقائية مع الملفات، وإن لم يتم تجاوز عقلية الحملات الموسمية، التي عرفها المغرب في فترات سابقة بإجراءات حاسمة وجذرية، نظرا لضخامة التركة وتشابك المصالح "تركة ثقيلة خلفهتا وتخلفها هذه الأنظمة المتساقطة تباعا لمن يرثها من بعد، تشكل تحديا لضخامتها وتوسع قاعدة المستفيدين وتشابك المصالح، فالاستبداد والفساد وجهان لعملة واحدة، والمعركة ضد الفساد المتراكم أكبر من الحملات الموسمية وأكبر من إجراءات زجرية آنية وإن كانت ضرورية ومطلوبة، المعركة رد مظالم الناس الاقتصادية وإعادة تقسيم عادل للثروة وفق معايير واضحة ودقيقة، المعركة محاسبة الكل من أعلى هرم الدولة إلى أدناه ب"من أين لك هذا" ، المعركة إرساء قواعد تنافسية عادلة واقتصاد مفتوح". وبعيدا عن التشكيك في النوايا والدوافع التي تحكمت في نشر هذه اللوائح، فبدون شك فإن قرار السيد عزيز رباح هو خطوة مهمة وجريئة وغير مسبوقة تحسب لحكومة ابن كيران، لكن يخشى أن تتحول إلى مسكن من المسكنات الظرفية والمخدرات الموضعية التي تجيد جهات معلومة في المغرب صنعها، إن لم تتبعها خطوات أكثر عملية، كإعادة تصحيح الوضع من خلال سحب الرخص -من غير المستحقين- المستفيدين من اقتصاد الريع، ووضع قوانين منظمة شفافة وعادلة، والإجابة عن سؤال من أعطى هذه الرخص؟ ولماذا أعطاها؟ ونتمنى أن لا تلقى الخطوة مصير تقارير المجلس الأعلى للحسابات، الذي أخبر المغاربة سابقا أن أموالهم تنهب، فأجابوه بتهكم:"شكرا أموالنا تنهب فماذا بعد". 1-انظر "مذكرة لمن يهمه الأمر" ووثيقة "جميعا من أجل الخلاص"