سرير ينأى بحمولته، من شدة الأحزان والهموم المتوالية عليه بتعاقب السنين، ودموع حارة تجرح الخدود، لكنها تنزل بصمت، إذ أن الأفراح لم تدخل البيت ولا القلب بخروج الأسير البطل، ليس الأسرى وحدهم من يخوضون معاركهم بالأمعاء الخاوية بل أيضا أهل الأسرى يخوضون حزنهم بالمعدة الخاوية، فالأسرى لا بواكي لهم، أم يكاد حزنها يشق رأسها وهي لا تستطيع أن تصدق أن ابنها البطل لم يكن من الأسرى المحررين بعملية تبادل الأسرى بعد مرور ربع قرن على اعتقاله ويزيد. لكن حضنها وقلبها اتسع وابتسم فرحا، أم تجاوزت حزنها واستجابت لنداء لم تكن تستطيع أن ترفضه، استجابت له بتناول لقيمات بعد صيام، إذ مسحت دموعها وهي تحتضن زميل ورفيق ابنها في زنزانته، إذ أن حرية رفيق ابنها تعني حرية ابنها، وحضنها لزميل ابنها يعني حضنها لجنينها. لا تحزني يا أم، فكلنا لقطاء للحرية، لقطاء نرجو العدالة في هذه الحياة. قضية الأسير عدنان خضر وهو يواصل ويخوض معركة الأمعاء الخاوية، والإضراب المفتوح عن الطعام، لا تعيد لقضية الأسرى القها بل تعيدنا إلى أهمية الخروج عن هذا الصمت والوقوف بحزم ضد جرائم حكومة إسرائيل بحق الأسرى الفلسطينيين والعرب في معتقلاتها انتصارا لمبادئ الحرية والحقوق والواجبات. معركة الأسير عدنان خضر معركة تسلط الضوء على قضية الاعتقال الإداري التي تشكل انتهاكا خارقا للقوانين والاتفاقيات الدولية وما كفلته من حقوق وضمانات للمحاكمة العادلة في وقت السلم والحرب، إذ أن الاعتقال الإداري يجب أن يظل تدبيرا استثنائيا لفترة زمنية محدودة وتنفيذه يجب أن يكفل احترام الضمانات الأساسية وخاصة فيما يتعلق بحقوق المعتقلين بالدفاع، إذ أن حكومة إسرائيل ما زالت تحتكم بموروث بريطاني بإبقاء المشتبه فيهم قيد الاعتقال الإداري من دون تهم لمدة تصل إلى ستة اشهر مع إمكانية تجديد هذا الاعتقال الإداري إلى ما لا نهاية. جريمة احتجاز عدنان خضر تتم على مرأى ومسمع من العالم وهو يدخل شهره الثالث، وبالرغم من أن حالته الصحية في تدهور مستمر، ووضعه الصحي معرض للذبحة الصدرية إلا انه يصر على مواصلة إضرابه بمعنويات عالية وعزيمة لا تلين وإرادة حرة شامخة، مسجلا صفحة بطولية مشرفة في كسر شوكة الاحتلال وجبروته. الأسرى الفلسطينيون يستصرخون ضمائر الأحرار من العالم، وفعاليات كثيرة استنهضت عزمها وانتفضت لعدالة قضية الأسرى في السجون الإسرائيلية ممثلة بالأسير عدنان خضر في صموده وتحديه من خلال مشاركته صموده ومعركته، حتى يبزغ فجر النهار الذي لطالما حلمنا به وانتظرناه. كما علمنا الراحل أبو عمار ما النصر إلا صبر ساعة.