كتب الكاتب المسرحي والشاعر الألماني برتولد بريخت يقول: "لم تعد السلطة تثق بالشعب ولذا يجب تغيير الشعب". الكل يحلم بالتغيير، الكل ينشد التغيير، والكل يستشرف التغيير.. أضحت مسالة التغيير همَّ كل من ينسج إما بواقعه أو بخياله ملامح التغيير. هذه الآمال والأحلام لم تكن لتنبع من فضاء أجوف وإن كان افتراضيا فإن غايتها الخروج من عالم إلى عوالم أخرى. شهدت سنة 2011 تغييرا لا يمكن تجاوزه تاريخيا أو إنسانيا، فالثورات عموما في جوهرها لا تقبر أيامها بين صفحات الماضي بالشكل الذي تُغفل عنها أثارها وما نتج عنها. وما سُمي بالربيع العربي لا يخلو كونه يندرج في الإطار التغييري الذي ما فتئ أصحابه ينفضون الغبار عن آلة التغيير. وبالنظر إلى الواقع الميداني، نجد أن التغيير استفاد من الإسلام السياسي وأن الحركات الإسلامية السياسية استفادت هي الأخرى من بوادر التغيير. وفي المغرب يتموقع مثال حزب العدالة والتنمية (parti de la justice et du développement) ذو التوجه الإسلامي كنموذج. وبالرغم من أن السلطة السياسية والظرفية التحكمية للبلاد لا تسمح، حسب الدستور(في فترة الحكم القديم وحتى الدستور الأخير)، للجمعيات أو للأحزاب السياسية النشوء على أساس ديني. فإن الحزب يُوسم بالإسلام البرلماني. بعد نشوب الثورة التونسية وما تلتها من أحداث متسارعة في مصر، ظهرت في المغرب بوادر نشوء حركات احتجاجية، حاولت السلطة حينها أن تحُول بينها وبين تَحَولها إلى ثورة مكتملة الأبعاد، سميت بحركة 20 فبراير. ضمت هذه الأخيرة بين مكوناتها أطيافا سياسية ومجتمعية ومدنية، إضافة إلى جماعة العدل والإحسان الإسلامية (بعد 10 أشهر، أوقفت الجماعة مشاركتها في حركة 20 فبراير يوم 18 دجنبر 2011 للأسباب المذكورة في بيان التوقف). تحركت هذه الحركة على شكل مظاهرات شبه أسبوعية في أغلب المدن المغربية بأعداد شكلت حضورها الوازن في الساحة الاحتجاجية. إضافة إلى مؤتمرات وندوات ولقاءات تواصلية بهدف إيصال مطالب الحركة ومبتغاها إلى الرأي العام. كان لهذا، التأثير المباشر، ولأول مرة، على قرارات المؤسسة الملكية التي خلصت بخطاب للعاهل المغربي يوم 9 مارس، والذي كانت له إشارة ثنائية الدلالة؛ أولها إسكات الشارع، وثانيها لزومية الإصلاح. مهد هذا الخطاب بشكله العلني الطريق إلى استفتاء على دستور جديد (1 يوليوز) وإلى انتخابات برلمانية سابقة لأوانها (25 نونبر)، الغرض منها تسريع وتيرة العمل بمضامين الدستور، وكان ذلك في مدد زمنية ليست بالمتباعدة. الشيء الذي حذا بحركة 20 فبراير أن تعتبر كل تلك الخطوات مسرحية وألعوبة لتمويه الصورة الحقيقة للمشهد المغربي بكل تلويناته. جعل هذا السياق، ومعه الإقليمي بعد فوز الإسلاميين في كل من تونس ومصر، من حزب العدالة والتنمية، أن يكون في طليعة المشهد السياسي، سيما وأنه عانى الإقصاء والتشهير وكذلك التزوير في الانتخابات السابقة. إلا أن تصريحات رئيسه عبد الإله بنكيران المتضاربة أقامت شكوكا حول مصداقية أفعال الحكومة التي تحت رئاسة هذا الإسلامي. بعد أن حصد حزب العدالة والتنمية أغلبية نيابية. طُرح سؤال التسيير والتحكم في القطاعات ذات الحساسية والفاعلية، ومع وجود تراكمات واقعية أكبر مما تعيشها نفسية المواطن المغربي، يبقى هذا الأخير لا تهمه الايدولوجيات ولا يتساءل عن ما قطعته الحركات الإسلامية أو الإسلام السياسي من أشواط للاقتراب من سدة الحكم، أو حتى ما يعنيه اسم العدالة والتنمية، بقدر ما ينتظر حلولا لتراكمات اقتصادية واجتماعية حقيقية، حملها على عاتق الحزب الإسلامي من زاوية ارتباط البعد الإيماني بالواجب السياسي.. إذا أمكن. كثر بعد فوز الحزب الإسلامي، حتى من جانب الصحافة والإعلام، لغط حول ما ينتظر هذا الحزب من قضايا ومواقف تدور بعضها حول السياحة والاقتصاد والحريات العامة بكل جزئياتها لتكون مادة دسمة للخاسرين في المعركة الانتخابية أكثر منها ملفات لا تدخل في صلاحيات الحزب، بناء على منطق التشارك الحكومي وعلى التقسيم المؤسساتي لجهاز الدولة، وكذلك على الإشراف التام للمؤسسة الملكية (ترأس الملك) على أغلب القطاعات. وتبقى انتظارات المواطن كيفما كان انتماءه آمالا وترقبات يستبشر بها فألاً لأبسط تحركات الحكومة الجديدة، والتي بدورها ستحرص على أن يلمس الناس التغيير، وان تبتعد عن سيناريوهات المشهد الدرامي الذي انتهى إليه الاتحاد الاشتراكي بعد حكومة التناوب. يتساءل الكثير من المتتبعين، هل سينجح الحزب في التحكم بمسار التغيير إلى الأحسن؟ وهل سيغير مفهوم السلطة السياسية أم ستغير السلطة منه أو ستبلعه حسب تعبير السياسي الإسلامي حسن الترابي؟ ما الذي ستقدمه رئاسة الحكومة إلى الدستور الجديد وعلى حساب من؟ هل على حساب المؤسسة الملكية أم على حساب الشارع ؟ كيف سيتعامل بنكيران مع الترسانة الجديدة للقصر التي تضم خصم الأمس فؤاد عالي الهمة؟ وهل ستتلاشى الخطابات الحماسية مع المنصب الجديد؟ هل ستكون قيادة الإسلامي وسيلة تقارب بين الإدارة والشعب أم ستزيد الهوة اتساعا؟ والأهم، هل يستطيع الحزب أن ينهج خطة التوفير والتطوير والتوجيه لهذه الحكومة الجديدة؟ أسئلة تبقى مطروحة ما دامت الإدارة الجديدة في ظل الدستور الجديد لم تحدد من هو الرئيس المدير العام (PDG) لمصالح الشعب ومن الذي سيقرر مصير التغيير. أم سينتظر صاحب المنصب الجديد، كما فعل الذي خلفه، أن يتغير هذا الشعب ؟!!