الزائر لمدينة الدارالبيضاء هذه الأيام يجد شوارعها الأنيقة تستبيح حرمتها للجرافات، الخنادق، وكل أنواع التلوث، الضجيج المتبجح.. وكأن المدينة اندلعت فيها حرب الشوارع لكي يمر " التراموي " بجلالة قدرته في شوارعها المتآكلة أصلا، وذلك للحد من الضغط الذي تعانيه مدينة " الغول". أشغال "التنقيب" عن ممر سليم لكي تخترق حضارة "التراموي" الأرجاء كشفت عن فوضى المزاج لأهل مكة الأدرى بحفرها، وصدأ مجاري المياه الصالحة والطالحة للشرب، وهشاشة قنوات تواصل "البرزي" بين الساكنة، مما ترك هذا الوضع المقزز يقتات من عصبية أهلها بكل أشكال " السادية " للفوضى بمعية الجرافات ومعاويل البنائين في أرقى شوارع المدينة المتحضرة. لن تزيد الحضارة بالبيضاء قدما واحدة، فشكل الحافلات العمومية المقززة للبصر وجميع الحواس، الشم و اللمس وسط الزحام أصبح متجاوزا لمدينة شعارها كان ولا يزال "مدينة الدارالبيضاء تتنظم"، شعار كثيرا ما نحلم به في هذه المدينة لكن مازلنا ننتظره مند عقود لكي يأتي على شكل " التراموي " بإنسيابه الأنيق يعطينا الإحساس بتحقيق الحلم "العظيم". لكن حضارة "التراموي" لم تأت متأخرة بكثير، فقط بمائة عام لا أكثر !! تجتاح الآن بحربها في شوارع المدينة، لهذا لم يتحمل البشر والحجر هنا هذا الاختراع العجيب. مازالت انطلاقته المظفرة لن تجول وتصول في المدينة حتى ينخر استبداده الساكنة وبانطلاقته الرسمية بزغاريد واحتفالية معهودة عنا بقدوم "التراموي" العظيم :" أحنا جينا لا تكولو ماجينا ". عذرا نحن نحتاج إلى إنسان يعتذر بنبل للكرسي إذا اصطدم به، تسير في دمه الحياة المدنية بكل شعبها المتحضرة، نحتاج إلى التضامن بلغة الطفولة وليس بلغة التلفزة الخشبية في كل مناسبة، أما قضية "التراموي" العجيب فقد انتهت حضارته في دول العالم، وأصبح متجاوزا للعصر، بينما عصره مازال مستمرا هنا في لحظة انبهار عندما يمر في شوارع المدينة بروية وتغنج ليبقى الإنسان في الواجهة مع أخيه الإنسان: أن مدينتنا لا تتنظم كما تمنينها مند عقود، قد نحتاج إلى وسيلة أكثر تميزا من هذا "التراموي"، ليهمس هذا الأخير في أذن أهل المدينة: أن آخر أخبارها سيكون لها مترو الأنفاق في مائة عام المقبلة أو يزيدون، فهذه حكاية أخرى يجب أن تستعد لها شوارع المدينة بحرب أبدية بمقولة نيتشه:" أنا مع الخراب إذا كان كل بناء جديد أنا معتقل فيه ".