إذا كان مفهوم الهجرة في السابق مقتصرا على الرجال فقط، فإنه اليوم سيكون من المجحف إغفال هجرة النساء العربيات بالملايين في دول اروبية عديدة، وإذا كانت أسباب هجرة هؤلاء النساء العربيات فيما مضى مرتبطة بهجرة زوجها أو أبيها أو أخيها الرجل، فإن اليوم هذه الهجرت امتدت لأسباب ربما هي نفسها اسباب هجرة الرجال. والنساء المغربيات اليوم أصبحن يتزعمن قائمة الدول العربية التي تصدر مهاجرات، فلماذا تهاجر المرأة المغربية؟بل كيف تهاجر؟ وكيف تعيش هناك؟ قَبَّح الله الفقر "مالذي يمكن أن يجعل امرأة تترك وطنها، وذكريات طفولتها، وأحلامها، لكي تهاجر إلى بلد لم تكن تعرف حتى أين يوجد في الخريطة العالمية؟" هكذا تساءلت فاطمة بونكري وهي فتاة مغربية في عقدها الثالث، ثم اضافت :"قبح الله الفقر والحاجة، هي التي أرغمتني على هذه المذلة التي عشتها طيلة خمس سنوات في إسبانيا قبل حصولي على الإقامة القانونية، فابي توفي وأنا صغيرة، ولم يترك لنا ما يسد عنا همز وغمز المجتمع، كانت أمي تعمل خادمة بالبيوت، وتصور ماذا يمكن أن تفعل تلك الدريهمات لندرس ونأكل ونسكن؟؟" الإلتحاق بالعائلة والقرار الصعب !! أما أمينة فقد سافر زوجها منذ 1991 إلى الديار إلاسبانية، لتوفير حياة معيشية أفضل، وبعد أن استقرت ظروفه المادية والقانوينة، تقول أمينة:"كان لابد من لم شمل العائلة؛ إما أن يرجع للوطن، وأعتقد أن هذا كان خيارا صعبا بعد كل ما عاناه زوجي هنا، أو أن اسافر لنبدأ حياة جديدة هناك، وايضا كان هذا خيارا قاسيا لما يحمله من تحديات جديدة سنعيشها كاسرة مسلمة في مجتمع غربي" وتضيف أمينة، وهي الآن أم لثلاث، يحملان الجنسية الإسبانية والمغربية :"كان القرار في 2001 أن ألتحق بزوجي وسافرت إلى هناك، لأجد نفسي في بيئة مختلفة تماما، فأنا سيدة محجبة وبالكاد أستطيع النطق ببعض الكلمات الإسبانية، وبدأت قصة المعاناة في الضفة الأخرى". أما سميرة التي لم توفق في إنهاء تعليمها الجامعي بالمغرب ، فقد شاءت الاقدار أن تعقد رباطها مع شاب مغربي يعمل بكندا، وكان اللقاء بينهما يتجدد مرة كل سنة، وبين سندان الفراق ومطرقة الوضعية المعيشية غير المستقرة بكندا، كانت تمضي سنوات الزواج الأولى لسميرة وزوجها، حملت خلالها، ولم يسمح لها بالسفر لزوجها إلا بعد ان وضعت مولودها بالمغرب حتى لايحمل الجنسية الكندية ويستفيد من الحقوق التي يتمتع بها من فتح عينيه بتلك الديار. المسؤوليات العائلية الجديدة من جهته، يعدد الدكتور محمد الشيكار أستاذ الاقتصاد بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة محمد الاول بوجدة أسباب هجرة المرأة المغربية من خلال عينة من النساء المهاجرات، حيث:" هناك العديد منهن قررن مغادرة الوطن هروبا من المشاكل المرتبطة بالشرف، ومن مشاكل الزواج التي يتم خارج رغبة الفتاة تحت ضغط العائلة، إلى جانب هذه الفئة هناك من هاجرن لاسباب اقتصادية محضة، منهن من يتوفرن على شهادة الإجازة ولم تتمكن من إيجاد شغل يكفيها وإخوانها بعد وفاة والدها، وقد كانت علاقتها بشاب إسباني سببا في تسهيل طريق الهجرة،إلا أن اختلاف الثقافة بينها وبين الإسباني لم يساعد على نجاح هذه العلاقة مما اضطرها إلى فراقه". ويضيف:"ومن بين هؤلاء النسوة نجد امرأة تتقن الخياطة فضلت الهجرة على البقاء في أحضان الوطن نظرا لما كانت تعانيه من مشاكل مع زوج مشغلتها، وهي الآن تشتغل كمنظفة بأحد الفنادق وفي وضعية قانونية تعمل جاهدة من أجل إحضار ابنتيها وأمها إلى إسبانيا". استكمال الدراسات العليا و"الراس العالي" إذا كانت تلك اسباب هجرة بعض المغربيات فإن عددا لاباس به من المهاجرات كان هم الحصول على "دبلوم الدراسات العليا" و "التخصصات الفريدة" هي دافعهم لركوب مخاطر الهجرة، ومنهن من تمكن من الوصول إلى درجات عالية من المعرفة والكفاءة المهنية في تخصصات مختلفة كالطب والهندسة والسينما .. هؤلاء النساء منهن من ترجع إلى وطنها، ومنهن من تستقر هناك، وينشئن جمعيات اجتماعية وثقافية تهتم بالجاليات الوافدة على ذلك البلد، وهو ما صرحت به إحدى المغربيات المقيمات بإيطاليا بقولها في إحدى "منشورات الزمن"عدد 42:"إنني أشعر بالحرية منذ دخولي للعمل الجمعوي أمشي ورأسي عاليا". بداية المعاناة كانت الهجرة إلى أروبا حتى نهاية التسعينيات لا تحمل أية تعقيدات مقلقة للمجتمعات الأروبية والمهاجرين على حد سواء، بل كانت تشكل –أي الهجرة- رافدا مهما لليد العاملة لهذه الدول وتعويض النقص الحاصل لديها في مقابل تراجع نسبة السكان النشيطون، ولكن مع أحداث 11 شتنبر 2001 في أمريكا وتفجيرات مدريد ولندن بعدها، تفجرت بشكل حاد ظاهرة المهاجرين، وبدأت تثار هنا وهناك أحاديث حول الأبعاد الأمنية والثقافية للمهاجرين خاصة من أصول عربية وإسلامية، الذين تشير إحصائيات 2001 أن عددهم بلغ حوالي 8.17 مليون نسمة في دول الاتحاد الأروبي الخمس وعشرين تشكل النساء نسبة كبيرة منهم. ثمن الهجرة خارج إطار العائلة ومن خلال متابعة ظروف عدد من النساء المهاجرات يعتبر الدكتور محمد الشيكار أن وصول المرأة المغربية إلى بلاد المهجر:" لايتحقق إلا بمعاناة كبيرة، خصوصا التي تهاجر خارج إطار التجمع العائلي أو بطرق غير قانونية" ويضيف لقد :"أدين الثمن غاليا ، مما جعلهن يتعرضن إلى الابتزاز والإهانة من طرف عصابات تهريب البشر. فحسب أحد أعضاء هذه العصابات تأتي النساء متسولات باكيات تردن الهجرة، مستعدات لتقديم أي شيء والخروج باي ثمن، هذا التصريح يعطي صورة واضحة عن الحالة النفسية المتدهورة التي توجد عليها المرأة التي ترغب في الهجرة، فهي مستعدة لإعطاء أي شيء وهو ما يسمح لهذه العصابات باستغلالهن أشد استغلال". انتهاكات بالجملة وقوانين هشة يرى من جهته الدكتور محمد زروالي أستاذ التلعيم العالي بكلية الحقوق بمدينة وجدة في معرض ورقة عمل حول "الإطار القانوني الدولي والعربي لحماية العاملات المهاجرات" والتي قدمها اثناء المؤتمر العربي للمرأة العربية المهاجرة الذي انعقد مؤخرا في مدينة الدارالبيضاء، أن :"المهاجرون الذين يعملون في أوضاع شاذة من أكثر الفئات تعرضا للانتهاكات؛ حيث تتميز أوضاع هذه الفئة من العمال المهاجرين بالهشاشة نتيجة لعدة اعتبارات تتوزع مسؤوليتها بين الدول المصدرة لهذه العمالة، وشركات التوظيف، والدول المستقبلة لها. فلا توفر الدول المصدرة الحد الأدنى للحماية القانونية لمواطنيها في شروط التعاقد والرقابة على شركات التوظيف، وتوعية العاملين بحقوقهم، وتتفاقم الشكوى من استغلال شركات التوظيف لهذه العمالة، ولا تكفل القوانين المطبقة في معظم البلدان المستقبلة ضمانات الحماية القانونية لحقوق هذه الفئة من العمال المهاجرين". بين الإيجابيات والسلبيات لايمكن الجزم أن هجرة النساء المغربيات كانت كلها نقمة عليهن، كما لايمكن القول أنها كانت نعيما مطلقا، فككل الحياة الإنسانية فيها الفشل والنجاح، فيها الإيجابي والسلبي، فكذلك الحال بالنسبة لموضوعنا "هجرة المغربيات"، هناك منهن من تعيش شعور الغربة والعزلة مع صعوبة الاندماج في المجتمع الغربي المخالف لما ألفته، وما لذلك من تأثير على نفسيتها وحياتها الزوجية والاسرية، ومنهن من وقعت تحت سيف "العنصرية" أو "الاستغلال الجنسي" واباطرة التجارة باللحم البشري، في النوادي الليلية ..وغيرها كثير من المآسي والسلبيات التي لازالت تقف أمام المرأة المغربية في بلدها الثاني أو "بلاد الغربة" كما يحب المغاربة ان يسميه.. ورغم هذه الجوانب المظلمة في مسيرة المهاجرات فإن هناك أخريات كنا محظوظات في هجرتهن، لوجود الزوج أو الاب أو أحد أفراد العائلة، أو المؤهل التعليمي واللغوي والمهني... وكخلاصة قد تهاجر المراة المغربية لاي سبب من تلك الاسباب السابقة، وقد تبقى هناك سنون طويلة، وقد تعيش المرارة في بلدها، إلا أنه رغم كل تلك الظروف والمعاناة فإن ارتباطها بوطنها الأم يبقى سمة غالبة، وحافزا لها للتحمل والكفاح.