صورة لرواق بالمتحف من موقع كنوز الماضي الثقافي والحضاري لا يمكن أن يعيش إلا من خلال تنشيط الذاكرة الثقافية، وهذا هو الدور الذي تضطلع به المتاحف، باعتبارها الوسيلة المثلى لتمكين الأجيال الصاعدة من الاضطلاع على تاريخها وتاريخ أجدادها وعلى تراث شعبها الثقافي. وما البادرة التي قام بها بنك المغرب عبر تدشينه لمتحف جديد، إلا تعبير واضح عن مدى حرصه على حماية الإرث الثقافي للمغاربة من جهة ولزرع ثقافة التذوق الجمالي لدى الزائر المحلي والأجنبي من جهة أخرى. ويتمركز هذا المتحف المتواجد في قلب العاصمة الإدارية للمملكة، داخل الفضاء الذي تمت إعادة تهيئته في الوكالة القديمة المتواجدة بوسط مدينة الرباط، لكي يمكن الزائر من التعرف على تاريخ ومهام البنك المركزي بطريقة بيداغوجية- تشاركية تجعل منه فضاء للتبادل الثقافي . وشيد هذا المتحف ،على مساحة تبلغ 2000 متر مربع، موزعة على ثلاث طوابق من بينها جناح مخصص لتاريخ النقود، وثانيها للرواق الفني، فيما تم تصميم الجناح الثالث على شكل وحدات تقدم تاريخ البنك المركزي المغربي والمهام التي يتولاها داخل محيطه على الصعيدين الوطني والدولي. إسهاما من بنك المغرب في زرع ثقافة الوعي بالحفاظ على تراثه ، ووعيا منه بمسؤولياته، يسعى من خلال هذا المشروع إلى المساهمة في إغناء الحركة الثقافية التي تعرفها بلادنا وذلك من خلال انفتاحه على محيطه الخارجي وخاصة منه الفني والجامعي والمدرسي. كما جاء في كلمة والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري يوم تدشينه المتحف . فضاء مخصص للتأريخ للصك النقدي بالمغرب وللإشارة فان القسم المخصص لتاريخ النقود يعرض ما يناهز 1200 قطعة وأوراق بنكية، تتسم بعلو دقتها وتحكي عن التاريخ المتأصل والمتجذرالذي شهده الصك النقدي للمملكة عبر قرون، مخترقة كل الحدود لتعكس حضارات شعوب أخرى نذكر على سبيل المثال منها لا الحصر اليونان وقرطاج وروما...بحيث حضي المغرب بموقع استراتيجي وسط كل هذه المعروضات، نظرا لما يكتسيه الصك النقدي من أهمية كجسر للتبادل، تجسد من خلاله الأوراق النقدية حرية التصرف التي اعترت هذه العملية فصارت بذلك شاهدا على العصر بامتياز. رواق فني يربي حس التذوق الجمالي لدى الزوار في حين عرض الجناح الخاص بتراث بنك المغرب عددا كبيرا من الأعمال الفنية يقارب 500 شملت صورا ولوحات فنية ترسخ الهوية الثقافية للشعب المغربي عبر الأزمان، إضافة إلى ثمان وحدات لعرض التحف مرتبة حسب التسلسل الزمني ضمت تاريخ النقود والأوراق البنكية المغربية ومجمل التطورات التي عرفتها على مر العصور، بما فيها الرسوم الأولى التي تمثل المغرب بحيث وضع الأجانب بصمتهم عليها من القرن التاسع عشر، مرورا بفن الرسم المغربي بمختلف مشاربه ، تضم هذه المجموعة فن الرسم الشعبي والتجريدي الحديث والاستشراقي... بذلك يكون متحف بنك المغرب قد مكن المواطن العادي والدارس على حد سواء من فك طلاسم هذه الروائع والكشف عن هويتها وملابساتها. تاريخ ومهام بنك المغرب تختلف الصورة على ماهي عليه في باقي أجنحة متحف بنك المغرب، على حائط زجاجي يبلغ طوله 30 مترا ، تقدم وحدات ذات طابع بيداغوجي،تاريخ ومهام البنك المركزي ومختلف المهام المنوطة به وطنيا ودوليا، على جدران هذا الحائط تظهر صور متحركة تجسد حقبتين بارزتين من تاريخ هذه المؤسسة مرفقة بنصوص توضيحية ومشاهد مسرحية طريفة وألعاب تفاعلية توضح أبرز المحطات التي ميزت 50 سنة من العطاء لهذه المؤسسة، كما تفتح المجال أيضا لذوي الاحتياجات الخاصة لتحسيسهم وتوعيتهم لمعرفة تاريخ بلادهم وضمان حمايتهم المصرفية. أهم المعروضات في مجموعات المتحف ما أثار انتباهي عند تغطيتي الصحفية لمجريات تدشين متحف بنك المغرب السنة الفارطة هو أن أهم القطع في مجموعات المتحف تضم مسكوكات نقدية ) الصوليدوس) الذي يشكل ذروة الصناعة المتقنة من بين القطع النقدية الأموية الأولى، ومن أكثرها ابتكارا و الدينار العربي البيزنطي، مثقال محمد الثالث ...إضافة إلى مجموعة من الصور واللوحات الفنية) لوحة بائع الفطائر لشعبية طلال، أهازيج الأطلس لأحمد الشرقاوي ، كاكوليما لجاك ماجوريل...كبادرة غير مسبوقة من المتحف لتشجيع الفنانين المغاربة. واعتبر مسؤولو بنك المغرب الإقبال المتزايد من المغاربة والأجانب على المتحف منذ تدشينه "بمثابة تحفيز لهم على الاستمرارية من أجل كسب رهان الحفاظ على الموروث الثقافي للمملكة". وواصل أحد المسؤولين عن البنك قوله:′′لقد أصبح ضرورة وطنية من خلالها نعيد أمجادنا السابقة وذلك بتنظيم معارض مؤقتة وبشكل تدريجي تخول للزائر إمكانية اكتشاف كل ما يزخر به المغرب من تراث شكل إشعاعا زهاء خمسة قرون من حكم الدول المتعاقبة...′′ كما أوضح "أن المتحف ليس هاجسه الربح ولا الدعاية وإنما الإسهام في تنشيط الذاكرة الثقافية ويبقى الهدف بيداغوجي ثقافي محض. ومن جهته تمنى والي بنك المغرب في معرض كلمته عند تدشينه للمتحف :"أن يلعب هذا الفضاء الذي سيوضع رهن إشارة الجمهور الناشئ وكذا المؤسسات التعليمية دوره التربوي في تثقيف الوافدين عليه وإغناء المتتبعين للشأن المالي " . مضيفا "كما نطمح أن نجعل من هذا المتحف مجالا للتشارك والحوار من خلال وضع برمجة متنوعة تسهم في إغناء الإشعاع الثقافي ببلادنا". كما عبر الجواهري عن سعادته بتدشين متحف بنك المغرب في نفس اليوم الذي صادف اليوم العالمي للمتاحف، والزائر للمتحف لأول مرة سيلاحظ أن المغرب بصم تاريخه بمداد من ذهب، للدقة العالية والمتناهية للعروض وفق رؤية هندسية حديثة تتماشى مع عرض سينوغرافي متحفي متنوع من أجل تعزيز الثقافة المالية لدى الجمهور لبلورة تاريخ وتراث المؤسسة.