إذا كان موضوع الهويّة قد حسم منذ أيّامه الأولى حين طرحه بعض الحداثيّين للمناقصة وقال فيه الشعب كلمته، فإنّ موضوع حقوق المرأة كان الورقة التي استعملتها الأحزاب العلمانيّة واللائكيّة طوال الحملة الإنتخابيّة ورفعتها بحدّة في وجه حركة النهضة وذلك من خلال وسائل إعلام متطوّعة للغرض سخّرت نفسها على مدار الأشهر الأخيرة حتى تاريخ خروج النتائج التي كانت كارثيّة بالنسبة لجبهة "حداثيّة" سوّقت نفسها على أنّها البديل العقلاني الذي يتناغم مع طبيعة الشعب التونسي، ويبدو أنّها تمكّنت من إقناع نفسها تحت خمرة التحديث المَرَضي كونها ندّا فعليّا لحركة النهضة وربما دغدغها الأمل بإمكانيّة تجاوزها في الأمتار الأخيرة التي تسبق يوم الاقتراع، وادّعت ببيّنة مغشوشة أنّها الحاضن الأمين لحريّة المرأة، ورغم تحشيد النخب وتحريكها بشكل احترافي لإحداث فجوة بين حركة النهضة وشعبها وشحن الشارع التونسي وخاصّة القطاع النسائي بالخوف والشكوك إلا أنّ الحركة حافظت على أجندتها وردّت على كل ذلك بالمزيد من التواصل مع المجتمع وتوغّلت في عمقه والتحمت بجميع شرائحه، الشيء الذي مكّنها من تبديد الكثير من المخاوف ومن ثمّ الخروج بالعلاقة بينها وبين المرأة التونسيّة من طور التعارف الحذر إلى حالة من الإلفة المفعمة بالثقة والأمل. لقد استغلّت الجبهة الحداثيّة جنوح النهضة للأساليب الهادئة في طرح برامجها لتعتمد الضجيج والصخب في تحرّكاتها، كما استغلّت العلاقة الحميميّة بينها وبين العديد من وسائل الإعلام لتشاغب النهضة وتطلق التحذير تلو الآخر من غول قادم سيبيد نصف المجتمع حتى خُيّل للمتابع أنّ الجنس اللطيف مهدد بالانقراض وأنّ هؤلاء الحداثيّين هم درع المرأة التونسيّة وسيمكّنونها قريبا من بسط سيادتها على البلاد، ثم ومن خلال هستريا الخوف التي أظهروها على المرأة والهيجان العاطفي نحوها اعتقدنا أنّ المجلس التأسّيسي والإدارة التونسيّة والوزارات والثكنات.. بل دعنا نقول أنّ المجتمع بأسره في طريقه إلى التأنيث الشامل. انطلاقا من الوجوه النسائيّة التي قدّموها لتفتتح بؤر التوتر من قبيل الأفلام المسيئة ومحاولات تهجين الثوابت والهوية وأفلام التجسيد.. انطلاقا من كل ذلك كان من المتوقع أن نشهد غزوا نسائيّا للمجلس التأسّيسي، لكن صندوق 23 أكتوبر أثبت أنّ مخزون الحبّ والتبجيل للمرأة لدى الحداثيّين قد استهلكوه في عالم الافتراض، وحين "دقّت ساعة العمل" تمخّضت الجبهة الحداثيّة فولدت سبع نساء لا غير، ولولا أنّ حركة النهضة أمسكت عن الكلام وادّخرت جهدها للفعل لكانت مصيبة في يوم العرس الديمقراطي ولقدّمت تونس للعالم مجلسا ذكوريا بسبع عجاف.. بعد أن صدّعوا أركان الوطن بالصراخ وتغنّوا بالضفائر والأظافر تقدّموا للمجلس ب 14 %من مجموع نساء التأسّيسي، وتطلّعوا للحركة التي ساموها ووسموها بما راق لهم كي تُنقذهم من المأزق وتقدّم لهم 86 %من مجمل السّيدات اللواتي وصلن للمجلس، فقدّمت لهم ذلك والأمل يحدوها عسى أن يتعلّموا في المحطات القادمة أنّ الشرعيّة للأفعال وليس للأقوال وأنّ البقاء للذي يحمل أفكار شعبه ويتفاعل معها لا للذي يستورد أفكار الشعوب الأخرى ..شعوب ما وراء البحار .