صادف يوم مقتل ملك ملوك إفريقيا معمر القدافي اليوم الخميس 20 أكتوبر الجاري، تواجدي بمدينة وزان بسوقها الأسبوعي الذي يتوافد عليه سكان القرى والمناطق المجاورة.. كانت الساعة تشير إلى الثالثة والنصف بعد الزوال، والشمس ملتهبة فوق الرؤس، وأثناء تجولي بالممر الرئيسي للسوق ذهابا ومجيئا، أثار انتباهي موضوع أغلب النقاشات الثنائية والجماعية التي كانت تدار بأشكال مختلفة بين معمري السوق الأسبوعي بالمدينة الجبلية وزان.. لم تكن هذه النقاشات حول أسعار الخضروات أو السلع ، ولم تكن حول تأخر الأمطار التي من شانها الإضرار بمحصول الزيتون .. بل كان مقتل القذافي محور كل تلك النقاشات. رجلين يبدوان من شكلهما قد نالا قسطا وافرا من عياء السوق وحر الشمس، جالسين تحت "قيطون" -خيمة- أحد الباعة وهما يتجادلان : "القدافي مات" ليرد عليه الآخر :"لا اصاحبي راه واقيلة غير الشبه ديالو" .. ويصر الآخر على قناعته "راه بان في الجزيرة تيجروه بحال الكلب" .. تركتهما يتجادلان بين مؤكد لوفاة الزعيم وبين غير مصدق.. ليشدني حديث أربعة نسوة يلتحفن المنديل الجبلي المميز، سنهن تجاوز الأربعين ومحياهم يدل أنهن سيدات من البادية غارقات في وحل الفلاحة .. تقول إحداهن وهي تبتسم كأنها تزف بشرى زفاف ابنتها لصديقاتها: "مات الكلب القدافي هو وابنه وشخصيات كبيرة كانت معه" لترد عليها صديقتها مستغربة :"واش بصح ؟؟.. فوقاش مات وكيفاش مات؟؟" لتستطرد أخرى :" سيدي ربي العزيز كبير يمهل ولا يهمل ولد الحرام قتل الشعب ديالو هداك دواه".. لتجيب الأخرى :"راه قبيلات كنت غادية قرب المقهى وشفت الناس واقفين بزاف حداها سحابي غير شي ماتش ديال الكرة ..لكن لما نظرت إلى التلفاز رأيت صورة تشبه للقدافي ولكنه ملطخ بالدماء فسألت أحد الأطفال الصغار هناك فأخبرني هداك راه القدافي خرجوه من القادوس ديال واد الحار وشبعوه قرطاس". في إحدى زوايا السوق حيث يصطف بائعي الملابس سمعت زبون يقول لأحد الباعة:"مول زنقة زنقة دار دار تشد بحال الفار" ليرد الآخر :"فوقاش وقع هدشي؟؟ ونهار كبير هدا وخصنا نعيدو" فيرد عليه الزبون ممازحا :"العيد هي الى تصايبت معانا في هد اللبيسة؟؟" انتهى القدافي وانتهت معه أسطورة مليئة بالتناقضات والغرائب، ولاشيء يخفى على الوزانيين كما لا يمكن حجب الشمس بالغربال، هكذا خرجت مقتنعا من سوق يتواجد في منطقة عرفت على مر التاريخ بالنباهة والكياسة لدرجة أنه في منطقة الزواقين المحادية لوزان ارتبط وعي وذكاء شبابها بالشرب من "ماء عين الفهامة".